وأما تحريف النساخ وتصحيفهم فمما لا يدركه حصر، فكثيرا ما تقرأ فيلقوس، وفيلثوس، وفيلنوس، وقيلبوس، وقنلتوس، ويكون المراد فيلبس أبا الإسكندر، وتقرأ بودنطه، وتيرنطه، وبيريظه، وبورنطا والمراد البيزنطية، وخذ أي كتاب شئت من كتب التاريخ من البيروني، والمسعودي إلى ابن الأثير وابن خلدون حتى المقريزي، وانظر فيه إلى الأعلام اليونانية، فيشكل عليك إرجاعها إلى أصلها.
وكثيرا ما نرى الاسم الواحد مكررا في صفحات وهو في كل صفحة بهجاء مختلف عما قبله وما بعده، فإذا فتحت القرماني طبع بغداد صفحة 236 وقرأت أنطياقوس، ثم رأيت أبطيحش بالباء والحاء فما أدراك أن المراد بهما أنطيوخوس إذا لم تكن هناك قرينة ترشدك.
ومن بلاء النسخ أيضا تحويل الفكر من علم مشهور إلى علم مشهور؛ فتضيع فائدة الرواية بجملتها كقولهم في يوليوس قيصر بولس أو بولوس، وأين بولس من يوليوس؟
ولا يصح إرجاع اللوم في خطأ النساخ إلى المؤلفين والمؤرخين إلا حيث اجتزءوا بالنقل من نسخ مصحفة، وإلا فلا ريب أن القاضي الفاضل مثلا لم يفسد شيئا من الأسماء الإفرنجية في ما كتب عن الصليبيين، فلم يقل الاستبارية والاستنارية، كما نقل ابن الأثير وابن خلدون بل قال: «الاسبتالية» على لفظها الإفرنجي (hospitaliers) .
عود إلى تعريب الأعلام
بقي علي أن أذكر الأصول التي جريت عليها في تعريب الأعلام:
جرت للإفرنج عادة في نقل كثير من الأعلام اليونانية عن الأصل اللاتيني دون اليوناني، ولا سيما في أسماء المعبودات، فإذا أرادوا أثينا آلهة الحكمة، قالوا: «مينرفا» بلفظها اللاتيني، وإذا أرادوا فوسيذ أو فوسيذون إله البحار قالوا: «نبتون» والسبب في ذلك أن معبودات الرومان كانت تماثل معبودات اليونان من أوجه شتى، ولها عند كل من الفريقين أسماء توافق روح لغته ومعانيها، وإذ كان الإفرنج أقرب عهدا بالرومان، وقد تناولوا أسماء معبوداتهم عن اللاتينية على ما دونها فرجيليوس وغيره من الشعراء والكتاب أطلقوا تلك الأسماء على الأعلام اليونانية أيضا لمماثلتها لها في المفاد، على أن كثيرين من محققيهم قد أخذوا يرجعون إلى الأصل ويذكرون كل علم باسم لغته.
وهكذا فعلت في تعريب المعبودات، فسميت كل معبود باسمه اليوناني، وإن كان لبعضها ذكر في كتب العرب، فقلت: زفس ولم أقل زاويش كما قال أبو نواس: «ولا المشتري» وإن ورد بهذا اللفظ في كتب العرب، وقلت: «هرمس» ولم أقل: «عطارد» وقلت: «آرس» ولم أقل: «المريخ» كما قال: العرب أو بهرام كما قال العرب والفرس، وذلك؛ لأن مشتري العرب، وعطاردهم، ومريخهم، وبهرامهم هم غير أمثالهم عند اليونان، وليس لهم في كتبنا وصف معين ينطبق على المفاد اليوناني، ولم أتوسع في شيء من هذا الباب إلا باسم عفروذيت، فقد أطلق عليها اسم الزهرة لقب الشبه بين الزهرتين في أساطير القومين.
وفي سائر الأعلام حفظت الأصل اليوناني مع مراعاة صحة اللفظ العربي على قدر الإمكان.
وتابعت العرب في الأسماء الشائعة، فأبقيتها على حالها، فلم أقل: «ألكسندر» أو «ألكسندروس» على ما يقتضيه اللفظ اليوناني؛ بل قلت الإسكندر لإجماع العرب على كتابته بهذا الهجاء.
ناپیژندل شوی مخ