الحال ... عند الحكماء كيفية مختصة بنفس أو بذي نفس ... وتطلق عند الأطباء على ثلاثة: أمور الصحة، والمرض، والحال المتوسطة ... وعند الأصوليين على الاستصحاب ... وعند السالكين على ما يرد على القلب من طرب أو حزن أو بسط وقبض ... وعند النحاة على لفظ يدل على الحال أي الزمان ... وعند أهل المعاني على الأمر الداعي إلى التكلم على وجه مخصوص ...
وإن من تصفح كتاب «التعريفات» أو الكشاف للتهانوي يرى أن تعريف قسم من هذه الاصطلاحات قد اضطر العلماء إلى تأليف المجلدات الضخمة.
سبب وقوف اللغة
والحاجة أم الاختراع، فلما كان أبناء هذه اللغة مشتغلين بها كانوا يتقدمون فتتقدم، ويرتقون فترتقي، فلما وقفوا وقفت، وانحصرت سجلاتها في خزائن أفراد من العلماء معدودين، وما كان وقوفها لعجز فيها أو نفاد في معدن جوهرها الوضاح، ولكنها عوامل قاهرة أصابت أهلها، فأقعدتهم معظم هذا الزمان، وما هبت نسمات النهضة الأخيرة في مصر وسوريا حتى أسرع أبناء القطرين إلى استخراج تلك الكنوز الدفينة، ولو تتابعت التآليف العلمية التي فتح لها محمد علي وخلفاؤه أرحب الأبواب، وتواصل تدريس العلوم العالية بها، أو لو لم تصب سوريا بما أصيبت به مصر من ضرورة التقاعد عن وضع المؤلفات العلمية؛ لانتقال الدروس في تلك العلوم إلى اللغات الأجنبية لما أعوزنا الآن تعبير في علم من العلوم أو فن من الفنون، ولما رأيت ناشئة هذا العصر إذا احتاجت إلى تعبير علمي عمدت إلى لسان أعجمي.
النهضة الأخيرة ومستقبل اللغة والشعر
ولكن تيار الأفكار إذا اندلع بأمة قض السدود، وتجاوز الحواجز، فإن أبناء العربية شاعرون أن حياتهم بحياة لغتهم، وقد علموا الآن أنه لا معين لهم غير أنفسهم على بلوغ أمنيتهم منها، فإذا أخلصوا النية فلا حائل يصدهم عن النهوض بها، ولا ننكر أنهم أعادوا الكرة فوثبوا بها وثبة جديدة في هذه الآونة المتأخرة، وهذه سجلاتهم وجرائدهم قد صعدت في مرقاة الكمال درجات لا عهد لهم بها قبل أعوام، وأصبح الكثير من اصطلاحاتها الحديثة «كالمجلة والجريدة والصحافة والمنطاد» مقبولا عند الخاصة والعامة كأوضاع القدماء، وإن في مؤلفات الكتاب والأدباء ما يعد لهم فخرا في هذا الموقف الحرج، وأعظم من كل ذلك انتشار الميل إلى المدارس الوطنية، فلغة البلاد لا تحيا إلا بمدارس البلاد.
والشعر من توابع اللغة ولوازمها، فإذا ارتفع شأن اللغة فبشر الشعراء، على أن مطلب الشعراء يختلف عن مطلب العلماء والمؤلفين، فحاجة الشاعر أيسر وموادها أوفر، وذخيرته في دماغه، فإذا جلاها العلم كانت له، ولبني لغته موردا صافيا ومنهلا عذبا، وفي الأمة والحمد لله فطاحل خرجوا عن جادة التقليد البحت، فمالوا ميل الزمان وأخذوا يسعون إلى استجلاء المعنويات سعي رصفائهم إلى استجلاء الحسيات، وما هي إلا جولة وأختها مدة من الزمن حتى تستعيد صناعتهم مقامها الشامخ، ومجدها الباذخ.
هوامش
النشيد الأول
خصام آخيل وأغاممنون
ناپیژندل شوی مخ