232

وما أهملت حقيقته وبقي مجازه كالجدع عند العامة في مصر، فهي إنما تستعمل للإطراء، وإن كانت لا تزال على معناها الوضعي في أماكن أخرى.

وما أهمل مجازه، وبقيت حقيقته كالثور والحمار وهو أكثرها، فما منا من يرضى أن يلقب حمارا، ولو قيل له ذلك كان لقب مروان بن محمد الخليفة الأموي الحازم، لقب به على ما أجمع المؤرخون؛ لصبره ورباطة جأشه وشجاعته، قال القرماني: «ويقال في المثل فلان أصبر من حمار في الحروب، وهو أيضا اللقب الذي لقب به يعقوب ابنه يساكر في التوراة، وليس من يسره أن يكنى بالثور، وإن كانت تلك كنية عمرو بن معدي كرب سيد العرب، وما من أحد يرتاح أن يقال له أنف الناقة، وإن وضع الحطيئة ذلك اللقب موضع رفعة وإجلال، وقد تأبى أن يعرف أحدنا بالجمل، وإن عرف به ابن عم النبي حمزة بن عبد المطلب، على إننا من وجه آخر لا نرى غضا من قدر من يلقب بالسرحان، وإن كان ذلك لقب الذئب أو يكنى بأبي خالد، وإن كانت تلك كنية الكلب».

مزية العربية على لغات الإفرنج في هذا الباب

لما كنت قد آليت على نفسي أن لا أحرف الكلام عن مواضعه، وأن لا أعبث بوصف أو تشبيه، فأميل به عن أصله الوضعي تفاديا من ثقل على الآذان عمدت إلى نهج بقي بالمرامين: استبقاء الأصل على وضعه، ونبذ الألفاظ التي باتت بعرف الحضارة من باب الحوشي الساقط في المدح، فلا يمدح بها كبير ولا صغير، وفي لغتنا والحمد لله متسع فسيح لمثل هذا المجال بخلاف لغات الإفرنج التي لا محاد لكتابها عن استعمال اللفظة بعينها، وإلا اضطروا إلى تبديلها أو إغفالها أصلا.

فإذا عرض لي مثلا تشبيه رجل باسل بالخنزير الذكر ينفسح لي باب في كتب اللغة لانتقاء كلمة أخرى، فأقول الرت أو الخرنوص فلا أغير شيئا من المعنى، وأكفي مئونة أنفة القارئ، وإذا اضطررت إلى استعمال لفظة الحمار بمقام المدح، وهو تشبيه شبه به إياس البطل الباسل عمدت إلى كلمة أخرى فقلت «الجأب» وهو الحمار عينه.

وإذا آنست رنة خشنة على الأذن بذكر الكلاب بهذا اللفظ قلت: «النواهس» و«الغضف» و«الضراء» وما أشبه.

وإذا خشيت هجنة بأن يقال: قطيع البقر قلت: «الصوار» وهو هو.

ولزيادة الإيضاح أضرب لك مثلا واحدا مما سترى أشباهه بمطالعة الإلياذة:

أطرأ الشاعر بسالة هكطور في واقعة فشبهه وهو يتعقب الأعداء بالكلب الذي يتأثر الأسد المذعور أو الخنزير البري، فقال:

وهكطور صدر الجيش يجري ويلغب

ناپیژندل شوی مخ