وأما ما بقي من الحيوانات فقد اقتطع منها هوميروس صفات حميدة وصف بها كبار قومه وكرامهم، وهو ما أردناه بقولنا: «إنه أشكل على بعض كتاب الإفرنج، وثقل عليهم نقله إلى لغاتهم». فإذا شبه رجلا صبورا بالحمار رأيتهم يتثاقلون بنقل الكلمة بل ربما أكلوا الحمار برمته كما فعل پوپ في النشيد الحادي عشر، وعذرهم في ذلك أنه يشوه وجه ترجمتهم، وإذا شبه هوميروس عظيم القوم بالثور عظم عليهم الأمر وحسبوها ورطة يجب التملص منها، وربما بدلوا حيوانا بحيوان، فجعلوا الخنازير دببة، والكلاب ذئابا، وهم يزعمون أنهم لطفوا المعنى ولا أخالهم فعلوا.
ولست بمنكر أن الانقلاب الذي طرأ على مفاد التعبير عندهم قد أصابنا منه شيء كثير، فليس منا من يستحسن تشبيه كريم قوي الجنان رابط الجأش بالحمار، ولا تشبيه باسل مغوار بالخنزير على أن اليقين أن أبناء الجاهلية من كل قوم لم يكن هذا شأنهم أيام كانت الفطرة تأخذ بالظاهر ولا تتكلف التأويل، وتتشبث بالحقيقة مهما ثقلت.
وحسبنا أن نرجع إلى أيام جاهليتنا، وما وليها من مقتبل الإسلام ونتصفح معاجم لغتنا فنرى أن هوميروس لم يأت شيئا فريا، قال في أساس البلاغة: «الثور الفحل من البقر والسيد، وبه كني عمرو بن معدي كرب». ومما يذكر هنا استطرادا أن الثور لا يزال لقبا مكرما في السودان، ويقال مثل ذلك في الجدع بمصر، وهي من الجذع، وفي محيط المحيط الجذع من البهائم قبل الثني والشاب الحدث، ومنه قول دريد:
يا ليتني فيها جذع
أخب فيها وأضع
وفي كتب اللغة الكبش الحمل وسيد القوم وقائدهم، والمنظور إليه فيهم ومنه قول لبيد:
بكتائب رجع تعود كبشها
نطح الكباش كأنهن نجوم
وقول أسد بن ناعصة:
ولرب كبش كتيبة غادرته
ناپیژندل شوی مخ