وإذا نزل به إلى ساحة القتال، فانهزمت من وجهه الأبطال عدل عن التشبيه بالحيوان الفرد إلى ما هو أوقع في النفس، فمثله بالسيل الجارف.
وأبرز لك بالتشبيه الصادق جميع صفات البشر، وما يقابلها من صفات الحيوان بجميع حالاته، فنظر إلى الكبير منها والصغير، والقوي والضعيف، والوحشي والداجن، فوصف الأسود، والذئاب ، والخرانيص، والمها، والظبي، والأيلة وغير ذلك مما يستذله الإنسان، والخيل، والحمير، والبغال، والكلاب، والبقر، والمعز، والغنم، وغير هذا مما دخل في حظائر الناس.
وتناول الطيور من النسور والعقبان إلى البط والأوز، والرهو والغرانيق، والزرازير والحمام، وانعطف إلى الزحافات والدبايات، والديدان، وانتهى إلى الهوام والحشرات، فوصف الأفاعي وشبه بالصراصر والزنابير، والنحل والذباب، و
إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها .
ولقد عابه بعض المتسرعين على التشبيه بصغار الحيوان، ولكنك إذا نظرت إلى كل ما قال فيها علمت أنه إنما ذكر الشيء الحقير؛ ليستخرج منه الأمر الخطير وتلك عبرة يجب أن ينظر إليها بعين الإعظام والإكبار، فأي تشبيه لعصبة تذود عن حوضها، وتتفانى في الدفاع عن العرض والمال أوقع من قوله قول الشنفرى مشبها بالنحل والزنابير:
مثل الزنابير ذبت عن خشرمها
والنحل لا يتخلى عن خليته
وأي تمثيل لجيش كثيف يمور، وجند من حول زعمائها تدور أصح من قوله قول عنترة مشبها بالذباب:
خلوا بضفته في عدة غمضت
يصلون نار انتقام داخل الكبد
ناپیژندل شوی مخ