ثم إذا انثنينا إلى ملل الإسلام من غير العرب رأينا أنها ليست بالأقل حظا من هذا الفن، وهذه شهنامة الفردوسي في أخبار ملوك العجم مما يعجب به ويحسد عليه، وقد ذكرناها في غير موضع من هذا الكتاب.
وإن للفرس اليد الطولى في هذا الفن، ولهم فيه غير ملحمة الفردوسي منظومات كثيرة كشهنامة القاسمي الكونابادي التي نظم فيها وقائع الشاه إسماعيل وأهداها إلى الشاه طهماسب، وجعلها نظيرة لتيمورنامة الهاتفي، ومثلها شاهية مجد الدين البابري النسائي في وقعة الخوارزمي.
وللترك أيضا يد في الشعر القصصي كمنظومة شهودي في أربعة آلاف بيت، وإن أغرب ما روي في هذا الباب ما نقل عن شهنامة الشاعر التركي الملقب بالفردوسي الطويل، قالوا: إنه نظمها في مليون وستمئة ألف بيت، وكتبها في ثلاثمئة وثلاثين مجلدا فلما عرضت على السلطان بايزيد العثماني أمر بانتخاب ثمانين مجلدا، وإحراق الباقي فتألم المؤلف، وترك بلاد الروم وذهب إلى خراسان، فمات فيها كمدا.
95
ملاحم العرب
إذا قلنا: إن العرب نظموا الملاحم، فلسنا بزاعمين أن في لغتهم شيئا يماثل إلياذة هوميروس، وشهنامة الفردوسي، وفردوس ملتن بالشعر الحي، ولكن إذا صحت الأدلة المؤدية إلى أن أيوب كان عربيا، ولا أخالها بعيدة الاحتمال كان ذلك السفر البديع المحفوظ في التوراة ملحمة عربية الأصل متقدمة بوضعها على ملاحم اليونان والرومان.
96
ولكن الأخذ بهذا القول ليس مما يضم درة يتيمة إلى خزائن الأدب العربية، فيزيد في مفاخر العرب أو يفيد لغتهم فائدة تذكر لهم وتؤثر عنهم، فالأصل العربي في عالم الغيب وهو على فرض المحال لو وجد لما كان فيه من عربية مضر شيء يعول عليه، ولما وجد بين العرب من يفك منه عبارة واحدة؛ لاختلاف أوضاع اللغة ومبانيها في ذلك العهد البعيد، فهي بهذا الاعتبار آرامية أو عربية أخرى أقرب إلى عبرية التوراة منها إلى عربية قريش.
ومن يعلم بالنظر إلى أيوب نفسه إلى أي فريق من القبائل كان ينتمي، وما كانت حالة العرب والعربية في أيامه، ومن كتب أو استكتب ذلك السفر من قومه أو غير قومه، والحاصل أن إلماعنا إلى ذلك السفر إنما هو قبيل التذكرة والحرص على الإشارة إلى أمر خطير.
ثم إذا رجعنا إلى الشعر القديم المنسوب إلى قدماء العرب في اليمن ونجد والحجاز، فلا نلبث أن نتحقق أنه من النظم الموضوع حديثا لغرض كما أوضحنا، وزد على هذا أنه لا يربو على عدد معلوم من المقاطيع، وليست جميعها على شيء من الشأن في الشعر قصصيا كان أو موسيقيا، وأيضا فلا فائدة من الإلماع إلى ما سبق من النظم في اللغة اليمنية الحميرية التي هذبت وكتبت قبل لغة قريش بقرون، فالبحث إذن يجب أن يكون في الشعر الباقي باللغة العربية المضرية.
ناپیژندل شوی مخ