201

ممن يعاديك آناف وأذقان

وهكذا فإنه يظل يرتقي بك درجة بعد أخرى، وهو يهيجك طربا حيثما وقف بك ويحوم حول مطلبه حتى يلجئك إلى استتمام سماعه فلا تشعر إلا وقد أتيت على قصيدته برمتها، وأنت مشغوف بطلاوتها فقلت: «هلا زادني منها رحمه الله».

وهذا المنزع بعينه هوميروس في إلياذته، ولو لم تكن حديقة ابن الرومي خلية من أخبار الشعر القصصي لقلت هي شطر من تلك الملحمة التي خلب بها هوميروس عقول رواته وقرائه، وكأني بابن الرومي وفيه لمحة من كنيته التي كان يعير بها في زمانه إلى جرثومة في أصله أو عرفانه كانت تحمله على تحدي هوميروس في كثير من أساليبه ومعانيه وتشبيهاته.

وللمولدين أقوال ساحرة في التشابيه والكنايات والاستعارات، وكانوا كلما أبعدوا عن الحقيقة فقصروا فيها عن الجاهليين أوغلوا في الخيال، ففاقوا المتقدمين بسعة التصور وضروب المجاز.

علوم الأدب عند المولدين

ليس من شأننا هنا التعرض لجميع ما تنطوي عليه علوم الأدب في عرف بعض العلماء من نحو وتصريف، ولغة واشتقاق وأمثالها بل نقصر الكلام على ما كان منها خاصا بالشعر كالعروض أو ملازما له كالبديع والبيان.

فالمولدون هم الذين فتحوا باب البحث في صناعة الشعر، وقيدوا شوارده، وفصلوا قواعده، وشاركهم في ذلك النحاة والأدباء وعلماء اللغة، فضبطوا الأوزان ووزنوا المعاني، وصيروا قرض الشعر علما بعد أن كان ملكة لا ضابط لها إلا القياس السماعي.

وقد كان ذلك القياس يكفل استبقاء تلك الملكة أيام كان العرب في معتصمهم يتخالطون في البوادي والحواضر، وتجمعهم سوق عكاظ كل عام، فتقوم ما اعوج من منطقهم، ولا يخالطهم الأعاجم مخالطة تعبث بلسانهم على أن إيغالهم في أطراف المعمور، وانتشار لغتهم انتشارا لم يكن انتشار اليونانية واللاتينية بإزائه شيئا مذكورا، وامتزاجهم بسائر الملل كل هذا أحدث انقلابا ألجأهم إلى تقييد أصول الشعر على إثر تقييد أصول اللغة.

العروض

فكان أول ما استلفت نظرهم ضبط الأوزان، فوضع الخليل بن أحمد علم العروض نحو سنة 150 للهجرة أي: في أوائل العصر العباسي عصر المولدين.

ناپیژندل شوی مخ