فلما فرغ من بنائه خرج به الملك إلى عرفات، فأراه المناسك كلها، التى يفعلها الناس اليوم، ثم قدم به مكة، فطاف بالبيت أسبوعا ثم رجع إلى أرض الهند فمات بها.
وفى رواية أنه حج من الهند أربعين حجة على رجليه.
وذكر الواقدى عن أبى بكر بن سليمان بن أبى خيثمة العدوى قال: قلت لأبى جهم ابن حذيفة: يا عم، حدثنى عن بناء البيت ونزول إسماعيل ﵇ الحرم.
قال: يا ابن أخى سلنى عنه على نشاط منى فإنى أعلم من ذلك ما لا يعلمه غيرى.
قال: فمكثت شهرا أذكره المرة بعد المرة، فيقول مثل قوله الأول، وكان قد كبر ورق وضعف، فدخلت عليه يوما وهو مسرور، فقال لى: اسمع حديثك الذى سألتنى عنه.
إن البيت بناؤه حرم فى السماء السابعة وفى الأرض السابعة. يعنى أن ما يقابله حرم.
وإن آدم ﵇، أمر بأساسه فبناه هو وحواء، أسساه بصخر أمثال الخلفات، يعنى النوق التى فى بطونها أجنة، واحدتها خلفة. أذن الله ﷿ للصخر أن يطيعهما.
ثم نزل البيت من السماء من ذهب أحمر، وكل به من الملائكة سبعون ألف ملك، فوضعوه على رأس آدم ﵇، ونزل الركن، وهو يومئذ درة بيضاء، فوضع موضعه اليوم من البيت، وطاف به آدم وصلى فيه. فلما مات آدم ﵇ وليه بعده ابنه شيث، فكان كذلك حتى حجه نوح ﵇. فلما كان الغرق يعنى الطوفان، بعث الله جل ثناؤه سبعين ألف ملك فرفعوه إلى السماء، كى لا يصيبه الماء النجس، وبقيت قواعده، وجاءت السفينة فدارت به سبعا ثم دثر البيت، فلم يحجه من بين نوح وبين إبراهيم أحد من الأنبياء على جميعهم السلام «١» .
وعن غير الواقدى فى غير حديث أبى الجهم، أن شيث بن آدم ﵉، هو أول من بنى الكعبة، وأنها كانت قبل أن يبنيها خيمة من ياقوتة حمراء يطوف بها آدم ويأنس بها لأنها أنزلت إليه من الجنة، وكان قد حج إلى موضعها من الهند.
وفى الخبر أن موضعها كان غثاء على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض، فلما
_________
(١) قد أورد الحافظ ابن كثير فى البداية والنهاية الكثير من الأخبار عن بناء البيت. انظرها فى البداية والنهاية (١/ ١٦٧- ١٧٠) .
1 / 34