ثم إنه لعنه الله خدعته نفسه اللعينة ، ومنته المهينة ، واغتر بما أصاب من الإسكندرية واعتقد أن كل بيضاء شحمة ، وأن كل حمراء لحمة ، فطرق ثغر (اطرابلس) (¬3) المحروس ( في أوائل سنة تسع وستين وسبعمائة ) وقد كان بعض منافقيها - ممن هو على دينه ويخادع المسلمين - أعلمه أن نائبها (¬4) ليس بها ، وقد عزل منها أيضا حاجبها ، وتفرق جيشها في القسم ، ولم يبق منها إلا الرسم ، فأقبل المدبر في شواني ، مملوءة بكل لعين نصراني ، ( تزيد على المائة والثلاثين ) فلعنة الله على من فبها أجمعين ( فنازلوها ) فلم يكن بها من المقاتلة من يحول بينهم وبين مقاصدهم التي حاولوها ، فنفضوا (¬5) إليها من المراكب ، وصارت جماعتهم فيها مواكب ، فعاثوا فيها فسادا ، ولكن لم يقضوا منها مرادا ، ( فبينما ) هم فيها ، وقد حلت الكلاب في خيس الأسود ، وتبدلت الوجوه المباركة النيرة بالوجوه الملعونة السود ، ( إذ جاءهم ) جنود من ( التراكمين )متراكمين ، كانوا لجيش الإسلام كالكمين ، ( فحملوا عليهم ) مكبرين ، وعلت الأصوات ، وارتفعت الدعوات ، إلى رب الأرض والسموات ، فنزل النصر ، وانخفض الكفر ، وانقلبوا هاربين وخرجوا منها صاغرين خاسئين خاسرين وقتل منهم المسلمون خلقا لا يحصون ، ولله الحمد والمنة .
فصل
ثم بعد ما حل بهم هذا كله من الخزي والنكال ، غرتهم أمانيهم الكاذبة الخائبة والآمال ، فساروا بمن بقي معهم من الجيش المخذول ، والجمع المرذول ، حتى نزلوا مدينة ( اياس ) وقد حال بينهم وبين ما حاولوه منها الياس ، فقيض الله تعالى مرور بعض أمراء الإسلام هنالك ، ولم يكن عنده علم بذلك - وهو المقر الشريف السيفي ( منجك ) المشير بتأليفه (¬1) ، أعز الله أنصاره ، ووكل بقهر للعدا مقامه وأسفاره - فعطف عليها ، فلما وصل إليها ، إذ الشواني المشحونة ، بالمقاتلة الملعونة ، قد أحدقت بها ، من ناحية بحرها ، فمانعهم أعز الله أنصاره عن الوصول إلى السواحل فلم يقدر على ذلك منهم فارس ولا راجل ، هذا وليس معه من مماليكه سوى خمسة وثلاثين ، وجماعة دون المائتين من التراكمين ، حسبما أخبرني به أدام الله عافيته ، وأحسن عاقبته ، آمين ،
مخ ۱۱