احیا علوم الدین
إحياء علوم الدين
خپرندوی
دار المعرفة
د خپرونکي ځای
بيروت
تَغَيُّرُهُ بِمُخَالَطَةِ مَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ
وَيَخْرُجُ الْمَاءُ عَنِ الطَّهَارَةِ بِأَنْ يَتَغَيَّرَ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ
فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وكان قريبًا من مائتين وخمسين منا وهو خمسمائة رطل برطل العراق لَمْ يَنْجُسْ لِقَوْلِهِ ﷺ إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا (١) وإن كان دونه صار نجسًا عند الشافعي ﵁ هذا في الماء الراكد
وأما الماء الجاري إذا تغير بالنجاسة فالجرية المتغيرة نجسة دون ما فوقها وما تحتها لأن جريات الماء متفاصلات
وكذا النجاسة الجارية إذا جرت بمجرى الماء فالنجس موقعها من الماء وما عن يمينها وشمالها إذا تقاصر عن قلتين
وإن كان جري الماء أقوى من جري النجاسة فما فوق النجاسة طاهر وما سفل عنها فنجس وإن تباعد وكثر إلا إذا اجتمع في حوض قدر قلتين
وإذا اجتمع قلتان من ماء نجس طهر ولا يعود نجسًا بالتفريق
هذا هو مذهب الشافعي ﵁
وكنت أود أن يكون مذهبه كمذهب مالك ﵁ في أن الماء وإن قل لا ينجس إلا بالتغير إذ الحاجة ماسة إليه ومثار الوسواس اشترط القلتين ولأجله شق على الناس ذلك وهو لعمري سبب المشقة ويعرفه من يجربه ويتأمله
ومما لا أشك فيه أن ذلك لو كان مشروطًا لكان أولى المواضع بتعسر الطهارة مكة والمدينة إذ لا يكثر فيهما المياه الجارية ولا الراكدة الكثيرة
ومن أول عصر رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى آخر عصر أصحابه لم تنقل واقعة في الطهارة ولا سؤال عن كيفية حفظ الماء عن النجاسات
وكانت أواني مياههم يتعاطاها الصبيان والإماء الذين لا يحترزون عن النجاسات
وقد تَوَضَّأَ عمر ﵁ بِمَاءٍ فِي جرة نصرانية وهذا كالصريح في أنه لم يعول إلا على عدم تغير الماء وإلا فنجاسة النصرانية وإنائها غالبة تعلم بظن قريب فإذا عسر القيام بهذا المذهب
وعدم وقوع السؤال في تلك الأعصار دليل أول
وفعل عمر ﵁ دليل ثان
والدليل الثالث إصغاء رسول الله ﷺ الإناء للهرة (٢) وعدم تغطية الأواني منها بعد أن يرى أنها تأكل الفأرة ولم يكن في بلادهم حياض تلغ السنانير فيها وكانت لا تنزل الآبار
والرابع أن الشافعي ﵁ نص على أن غسالة النجاسة طاهرة إذا لم تتغير ونجسة إن تغيرت وأي فرق بين أن يلاقي الماء النجاسة بالورود عليها أو بورودها عليه وأي معنى لقول القائل إن قوة الورود تدفع النجاسة مع ان الورود لم يمنع مخالطة النجاسة وإن أحيل ذلك على الحاجة فالحاجة أيضًا ماسة إلى هذا فلا فرق بين طرح الماء في إجانة فيها ثوب نجس أو طرح الثوب النجس في الإجانة وفيها ماء وكل ذلك معتاد في غسل الثياب والأواني والخامس أنهم كانوا يستنجون على أطراف المياه الجارية القليلة ولا خلاف في مذهب الشافعي ﵁ أنه إذا وقع بول في ماء جار ولم يتغير أنه يجوز التوضؤ به وإن كان قليلًا
وأي فرق بين الجاري والراكد وليت شعري هل الحوالة على عدم التغير أولى أو على قوة الماء بسبب الجريان ثم ما حد تلك القوة أتجري في المياه الجارية في أنابيب الحمامات أم لا فإن لم تجر فما الفرق وإن جرت فما الفرق بين ما يقع فيها وبين ما يقع في مجرى الماء من الأواني على الأبدان وهي أيضًا جارية ثم البول أشد اختلاطًا بالماء الجاري من نجاسة جامدة ثابتة إذا قضى بأن ما يجري عليها وإن لم يتغير نجس أن يجتمع في مستنقع قلتان فأي فرق بين الجامد والمائع والماء واحد والاختلاط أشد من المجاورة
والسادس أنه إذا وقع رطل من البول في قلتين ثم فرقتا فكل كوز يغترف منه طاهر ومعلوم أن البول منتشر فيه وهو قليل وليت شعري هل تعليل طهارته بعدم التغير أولى أو بقوة الماء بعد انقطاع الكثرة وزوالها مع
(١) حديث إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا أخرجه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم وصححه من حديث ابن عمر
(٢) حديث إصغاء الإناء للهرة أخرجه الطبراني في الأوسط والدارقطني من حديث عائشة وروى أصحاب السنن ذلك من فعل أبي قتادة
1 / 129