63

وذلك أنهم قدروا النصب إعرابا ورأوا الشاعر قد انصرف عنه إلى الرفع، فرفضه من رفضه، واحتال لتوجيهه قوم، وعده من الضرورة آخرون.

وأنت تعلم حرص العرب على الإعراب، ودقة حسهم به، وتأديبهم عليه، وتعلم طبيعة الشعر العربي، وما فيه من قافية، وما للقافية من أحكام وأن التماثل والانسجام من أجلى صفاته، وأدق خصائصه. فلما تعارضت حركة الإعراب وحركة القافية، استجاب العربي لما هو أولى أن يمثل معناه، ويصور مراده، ولما هو ألصق بطبعه وأدخل في عربيته؛ وهو الإعراب.

كذلك فرق العربي بين الضمة والكسرة، وبين الفتحة. فليس لمنصف يعرف الحق أن يغفل هذه التفرقة من العربي، وأن يهمل وجه دلالتها، وما تشير إليه من معنى.

فهذه من الدلائل على ما رأينا من أن الضمة والكسرة هما علما الإعراب، وأن الفتحة ليست من علاماته، وإنما هي الحركة الخفيفة المستحبة عند العرب التي يحبون أن تنتهي بها الكلمات في درج القول، ما لم يدعهم الإعراب إلى حركة يدلون بها على معنى، أو يدعهم الوقف إلى إسكان يبت عنده النطق، ومن الله التوفيق والهداية إلى الصواب.

وقد نجد في كلام النحاة ما يؤيده أيضا؛ قالوا: بالنصب على نزع الخافض. ومعناه كما تعلم أن يكون من حق الكلام ذكر الجار، ثم يحذف لسبب ما، فتنقلب الكلمة مفتوحة؛ مثل: تمرون الديار. روي لجرير:

تمرون الديار ولم تعوجوا

كلامكم علي إذن حرام

وهم يعدون ذلك نادرا شاذا، على أنه في كلام العرب أوسع مما قرروا؛ هم قد اقتصروا على حذف الحرف الجار، وروي عن العرب النصب في غيره. قال الكسائي: «والعرب إذا ألقت «بين» من كلام تصلح «إلى» في آخره نصبوا الحرفين المخفوضين، تقول: مطرنا ما زبالة فالثعلبية، وله عشرون ما ناقة فجملا، وهي أحسن الناس ما قرنا فقدما.» قال: «وسمعت أعرابيا وقد رأى الهلال، فقال: الحمد لله ما إهلالك إلى أسرارك.» والعرب تقول: «الشنق ما خمسا إلى خمس وعشرين.»

30

ا.ه. فقد رأيت العرب تصبو إلى الفتح حين يحذف داعي الجر حرفا أو اسما.

ناپیژندل شوی مخ