53

ولا أعلم للنحاة مثل هذا الرأي، بل قد أجد في أقوالهم ما يشير إلى أن السكون أخف من الحركات جميعا؛ فقد يسمونه التخفيف، ويقولون: إن السكون عدم، والحركة وجود، و«لا شيء» أضعف وأخف من «شيء»، مهما يكن يسيرا ضعيفا. وذلك من سنتهم في الأخذ بالفلسفة النظرية، وغلوهم فيها بما قد يلفتهم عن الواقع، كما بينا من قبل.

وإذا نحن عدنا إلى طبيعة السكون، وفحصناه حين النطق بالساكن، رأينا أن السكون يستلزم أن تضغط النفس عند مخرج الحرف معتمدا على الحرف، محتفظا به، وفي هذا العمل كلفة تراها إذا نطقت بمثل: أب، أت، أث، وقسته إلى نطق «با» «تا» «ثا».

ثم من الحروف ما إذا أسكنته أرسلت النفس به آنا ومطلت النطق، متكلفا الاحتفاظ بمخرج الحرف الساكن، كما ترى في: غواش، وإشراك، ونواص، واصنع، وناس، ومسئول، ومتراخ، وأخبار.

ومنها ما يكلفك أن تردد اللسان، كأنك تكرر الحرف كما ترى في راء إرعاد وقدر، فإذا حركته حركة ما، مررت به الهوينى من غير ضغط ولا ترديد.

ومنها ما يلزمك قطع النفس وبت النطق، مع الضغط على الحرف والتمسك بمخرجه؛ مثل: أب وإبراهيم، وطبق، وإقبال، وقد، وقدر، ففيها كما ترى شدة في النطق، ونصيب من الكلفة، لا تراه إذا أرسلت الحروف مفتوحة.

وانظر ما صارت إليه القلقلة

17

المعروفة عند القراء من التكلف والتمسك، حتى كأن الحرف حرفان: أحدهما ساكن والآخر محرك بالفتح، ولقد تشعرك قلقلة هذه الحروف حين الإسكان - واختلاسنا لها ومرورنا بها هونا - أن الإسكان كان عند العرب أقوى وأملأ مما ننطق الآن، بل إن من العرب من كان أشد إظهارا للقلقلة وأجهر بها صوتا، قال سيبويه في القلقلة بعد شرحها: «وبعض العرب أشد صوتا.» ا.ه. (ص284 من الجزء الثاني).

وقد جرى المتقدمون على تسمية السكون وقفا.

18

ناپیژندل شوی مخ