320

الاحتراس عن نار النبراس المجلد الأول

الاحتراس عن نار النبراس المجلد الأول

ژانرونه

قلت: قد أشرت أولا إلى أن بعض أفراد تلك الأحاديث وإن كان لا يسلم من قول قائل لكن مجموعها من حيث هو مجموع مفيد للمطلوب لا بمعنى أنه يحصل عنه القطع.... بالمطلوب فإن ذلك شأن المتواتر، بل المراد أنه كاف في مثل هذه المسألة كما م وأن مجموع يدل على أن لها أصلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف وما في ربيع الأبرار عن أم سلمة قد ثبت بالاسناد الصحيح المتصل كما مر وإن كان براويةبعض الشيعة فقد رواه غيرهم وإياك أن تظن أن هذا الكلام مما يناقض ما سنذكره في التنبيه الذي في مسألة الرؤية فتدبر[166] فنحن لا ننكر أن بعض ما سقناه من الأحاديث لا يسلك من غمرة واحد حاسد، وهمزة ناقد إلا أن اسقاط مجموعها عن درجة الاعتبار لا يليق عند ذوي الاعتبار، إما هومن جنس ما قد منا الإشارة إليه من صنيع المعتضر وأمثاله، فإنهم إذا جاءوا إلى أمثال هذه الأحاديث رأيتهم في اضطراتهم..... أنهم كالذي يتخبطه الشيطان من المس فتارة يتأولون الرواية بما .... عنه الاسماع وتارة يردونها لمخالفتها عندهم لما .... بالاجماع وتارة يرمون الراوي بالانحراف والابتداع وتارة يقولون مجهول وكذاب ووضاع، على أنهم لا يقدرون هنا أن يطعنوا في مثل هذه الرواية الثابتة فيما هو أصح الكتب عندهم بعد القرآن كالرواية السابقة عن جامع رزين بن معروة إلى صحيح البخاري، كيف وقد زعم المعترض في مسألة الرؤية أن رواية البخاري كافية في إثباتها أي الرؤية كما مر ذكره والتنبيه على غلطه في الاكتفاء بأخبار الأحدا فيما هي من مهمات الاعتقاد، .... كيف لا يكتفي به في مثل هذا المراد مع أن الروايات فيه متماسكة بالاعضاد، بل قد يقال لهم من طرف الشيعة أنه قد ثبت عندكم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أقضاكم علي)) وهذا إن لم يستلزم كونه رضي الله عنه أعرفهم بالحلال والحرام لدار القضاء على ذلك فلا أقل من أن يكون علي كرم الله وجهه في الجنة من اعرفهم بذلك، ونحن نراه قد تأخر عن بيعة أبي بكر وأظهر..... كما مر عن الصحيحين حيق الق علي كرم الله وجهه في الجنة: كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا، فاستبديتم علينا، وفي هذه الرواية كغيرها من الروايات الثابتة عند الشيعة وغيرهم ما يدل على أنه علي كرم الله وجهه في الجنة إنما جنح إلى مبايعة أبي بكر بعد موت فاطمة رضي الله عنه عنها فإنها ماتت بعد أبيها عليه وعلى آله الصلاة والسلام بستة أشهر وهي مدة التأخر عن المبايعة والمصالحة وأنه علي كرم الله وجهه في الجنة إنما جنح إلى ذلك لأنه رأى انحراق وجوه الناس عنه بعد موت فاطمة رضي الله عنها، وحينئذ فتأخر عن المبايعة إلى يومئذ وتركه للدخول فيما دل فيه الناس لو كان باطلا وخطأ لم يصدق قوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام: ((أقضاكم علي)) لأن من لا يعرف الأحكام وما يجوز منها وما لا يجوز منها يجوز كالتأخر عن المبايعة كيف يكون اقضى من الجماعة الذين عرفوا الأحكام وتنازعوا إلى جمع كلمة الإسلام بنصب الإمام على الأنام حتى كأنهم بهذا الأمر أشد اهتماما منه عليه وعلى آله الصلاة والسلام وهو الذي دعاهم إلى الكتابة بذكل حتى لا يختلفوا بعد أن يزوره الحمام فأبوا إلا النزاع واللفظ والخصام، فلذا قال: اخرجوا عني فإنه لا ينبغي عندي التنازع ورفع الأضوات بالكلام هذا وفيهم العارف والأعرف بمدارك الحلال ومدارج الحرام، فلوم كان علي رضوان ا لله عنه لا يعفر الحق فيما هو دون ذلك من سائر الأحكام حتى يصح أن يكون [167] أقضى قضاة الإسلام، بل حتى يكون قاضيا من قضاة الأنام فإن كلن قد عرف أن خلافة أبي بكر حق وعرف أن التأخر عنها باطل؛ لأنه خروج عما دخل فيه الجماعة الذين هم طائفة ....... والسواد الأعظم فذلك أعظم وأطم، والواقع فيه لا يصلح .... في حكم من الأحكام فضلا عن أن يكون اقضى...... الصحابة الأعلام، وقد قال تعالى: {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم}، وقال تعالى: {كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم...} الآية.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه الإمام أحمد في الزهد وابن أبي شيبة، وابن أبي خيثمة في كتاب العلم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال موسى عليه الصلاة والسلام حين كلمه ربه: ((أي رب، أي عبادك أحكم، قال: الذي يقضي عن نفسه كما يقضي على الناس...)) الحديث وقد ذكره المعترض فيما سيأتي له من مسألة الرؤية، فكيف لا يكون علي علي كرم الله وجهه في الجنة على مثل هذا المنهج الشريف والمسلك السديد وإنما كان كما قال: أبان بن عبد الحميد:

لا تقدح الظنة في حكمه ... شيمته عدل وانصاف

يمضي إذا لم تلقه .... ... وفي اعتراض الشك وقاف

مخ ۳۵۷