الاحتجاج
الاحتجاج
وعند ذلك يؤيده الله ( بجنود لم تروها ) ويظهر دين نبيه صلى الله عليه وآله على يديه ( على الدين كله ولو كره المشركون ).
وأما ما ذكرته من الخطاب الدال على تهجين النبي صلى الله عليه وآله والإزراء به والتأنيب له مع ما أظهره الله تعالى في كتابه من تفضيله إياه على سائر أنبيائه فإن الله عز وجل جعل لكل نبي عدوا من المشركين كما قال في كتابه وبحسب جلالة منزلة نبينا صلى الله عليه وآله عند ربه كذلك عظم محنته لعدوه الذي عاد منه في شقاقه ونفاقه كل أذى ومشقة لدفع نبوته وتكذيبه إياه وسعيه في مكارهه وقصده لنقض كل ما أبرمه واجتهاده ومن مالأه على كفره وعناده ونفاقه وإلحاده في إبطال دعواه وتغيير ملته ومخالفته سنته ولم ير شيئا أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم عن موالاة وصيه وإيحاشهم منه وصدهم عنه وإغرائهم بعداوته والقصد لتغيير الكتاب الذي جاء به وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل وكفر ذوي الكفر منه وممن وافقه على ظلمه وبغيه وشركه.
ولقد علم الله ذلك منهم فقال : ( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ) وقال ( يريدون أن يبدلوا كلام الله ) ولقد أحضروا الكتاب كملا مشتملا على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ لم يسقط منه حرف ألف ولا لام فلما وقفوا على ما بينه الله من أسماء أهل الحق والباطل وأن ذلك إن ظهر نقص ما عهدوه قالوا لا حاجة لنا فيه نحن مستغنون عنه بما عندنا وكذلك قال ( فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ).
دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عما لا يعلمون تأويله إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم فصرخ مناديهم من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله فألفه على اختيارهم وما يدل للمتأمل له على اختلال تمييزهم وافترائهم وتركوا منه ما قدروا أنه لهم وهو عليهم وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره وعلم الله أن ذلك يظهر ويبين فقال ( ذلك مبلغهم من العلم ) وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم وافتراؤهم.
والذي بدا في الكتاب من الإزراء على النبي صلى الله عليه وآله من فرقة الملحدين ولذلك قال و ( ليقولون منكرا من القول وزورا ) ويذكر جل ذكره لنبيه صلى الله عليه وآله ما يحدثه عدوه في كتابه من بعده بقوله : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ) يعني أنه ما من نبي تمنى مفارقة ما يعانيه من نفاق قومه وعقوقهم والانتقال عنهم إلى دار الإقامة إلا ألقى الشيطان المعرض لعداوته عند فقده في الكتاب الذي أنزل عليه ذمه والقدح فيه والطعن عليه فينسخ الله ذلك من قلوب المؤمنين فلا تقبله ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين والجاهلين و ( يحكم الله آياته ) بأن يحمي أولياءه من الضلال والعدوان ومشايعة أهل الكفر والطغيان الذين لم يرض الله أن يجعلهم كالأنعام حتى قال ( بل هم أضل سبيلا ).
فافهم هذا واعلمه واعمل به واعلم أنك ما قد تركت مما يجب عليك السؤال عنه أكثر مما
مخ ۲۵۷