104

اتهموه بالضعف والوضع وإن كان كتبهم ومؤلفاتهم مشحونة بالنقل عنه وهكذا حال الكلبي فإن كتب القوم سيما تفاسيرهم مملؤة من رواياته وإذا رأوا أن الله تعالى نطق لسانه في بعض المواضع بحق يصير حجة لأهل الحق من الشيعة طعنوه بالكذب وإن كان ذلك بضرهم في مواضع أخر وبالجملة يبقى للإمامية ههنا اعتماد أسلاف أهل السنة على روايات الكلبي والبناء عليها في التفاسير والسير وطعن متأخريهم عليه محمول على ما لم ينبئك مثل خبير وكم من ثقة منهم مأمون عندهم قد تركوه ونسبوه إلى الوضع أو الضعف لاستدلال الخصم بروايته وكم من كتاب أنكروا نسبته إليهم أو غسلوه وأحرقوه إذا احتجت الشيعة عليهم بما فيه وذكره من أن المصنف لا يعرف اسم الكلبي وحسب أن اسمه هشام آه مردود بأن هذا الكلبي هو المفسر الذي له أسماء مختلفة ونعوت متعددة وقد ذكر السبحاوز في شرح الرسالة المنظومة للجرزي في أصول الحديث حيث قال في باب من له أسماء مختلفة ونعوت متعددة أن من أمثلته محمد بن السايب الكلبي المفسر هو أبو التصب الذي ورى عنه ابن إسحاق وهو حماد بن السايب الذي روى عنه أبو أسامة وهو أبو سعيد الذي روى عنه عطبة العوفي موهما أنه الخدري وهو أبو هشام الذي روى عنه القاسم بن الوليد انتهى فمع هذا الاختلاف الواقع عند أهل السنة جاز أن يكون عند المصنف في اسمه ونعته ما ذكره ولقد علم من كلام السخاوي أن الكلبي مفسر ثقة عندهم حيث ذكر أن جمعا كثيرا من أئمة حديثهم رووا عنه فتأمل وأما ما ذكر أن ذلك نشر للفاحشة فقد مر أن ليس مراد المصنف من ذلك نشر الفاحشة بل حشر الفساق والفواحش مع أمثالهم وتحذير الناس عن إدخالهم وحلهم في محالهم كما هو شأن علماء الرجال في ذكر كل من المقبولين والمجروحين على حيالهم وأما ما ذكره من أنه لا اعتماد على نقل صاحب المثالب إن أراد به عدم الاعتماد عليه من حيث نقله للمثالب فقد علمت أن هذا حاصل أحد البابين من كتب الرجال وإن أراد عدم الاعتماد إليه نظر إلى قدح ابن الجوزي فيه فقد مر ما فيه وإن أراد ما يدل عليه كلامه من اشتمال كل تصنيف على الغث والسمين فهو أفسد من الكل وأي دليل على تلك الكلية مع انتقاضها عنده بكتابي الصحاح الذين لا يوجد عنده فيهما معنى سوى السمين ولو سلم فمن أين علم أن النقل الذكور بخصوصه غث ضعيف ولم لا يحوز أن يكون سمينا وغيره غثا مهينا وأما ما ذكره من أنه لا ذليل ولا حجة في أخبار كتب المثالب فغير مسلم بل ما فيها من أخبار الأحاديث أيضا حجة كحجية ساير أحاد التواريخ والمغازي و السير إلا إذا علم خلافه بدليل أصح فلا يلتفت إليه وأما ما ذكره من أن كلامنا في الدلايل العقلية والشرعية فمردود بأن العلوم الشرعية قد يستمد من أخبار الناس وعاداتهم ومتعارفاتهم فمن هذه الجهة يكون شرعيا أولا نعني من الشرعي إلا المنسوب إلى الشرع ويكفي في حصول هذه النسبة اعتبار الشرع إياه ولعلم تقول أراد به أنه ليس دليلا عقليا ولا شرعيا يثبت به الزنا شرعا لأنه خبر واحد وإثبات الزنا يحتاج إلى شهود أربعة كما تقرر فنقول أن المصدر قدس سره لم يورد هذا ليثبت به الزنا حتى يكلف إحضار الشهود الأربعة على الوجه المرمى به عند القاضي بل قصد به مجرد الطعن والطعن والقدح يحصل بخبر الآحاد كما في مواقع الجرح والتعديل وكما ما ذكره من قبح نسبته الفاحشة إلى أنساب واحد أو اثنين من الصحابة فهذا إنما هو بحسب حسن ظنه بهم وإلا فهم ليسوا كما يزعم الناصب ويرى لما بينا من أنهم نكثوا عهد سيد الورى ورجعوا على أعقابهم قهقري فهم بخبث المولد أولى وأحرى وأما ما ذكره من شهادة رسول الله (ص) لهم بالجنة فأشهر الروايات عندهم في ذلك وأعمها حديث بشارة العشرة إلى الجنة وهو مردود من وجوه أما أولا فلأنه قد رواه الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف ورواه ابن ماجة عن سعيد بن زيد كما صرح به المشكاة وكل منهما يزعم نفسه أحدا من العشرة فلا بد لدفع التهمة عنهما من دليل وأما ثانيا فلأن عثمان في زعمهم أيضا من العشرة ولو صح هذا الحديث لما أشرك في دمه طلحة والزبير وأكثر المهاجرين والأنصار كما مر وبالجملة يبعد منهم أن يستحلوا قتل أهل الجنة ويرضوا بقتلهم وأما ثالثا فلأنه لو صح لاحتج به عثمان على الصحابة وغيرهم يوم الدار ولقال أن رسول الله (ص) قال إني من أهل الجنة وأهل الجنة لا يفعلون شيئا من الظلم فيكون خروجكم علي وإلزامكم لي بخلع نفسي عن الخلافة ظلما وخلاعة وأما رابعا فلأنه يلزم أن يكون كلا من علي والخارجين عليه من طلحة وزبير في الجنة مع ما علم من الطرفين قهر خصمه وقتله وأما خامسا فلأن أمير المؤمنين كذب زبيرا في هذا الخبر لما أظهر زبير يوم الجمل أنه من العشرة المبشرة بالجنة قال له أمير المؤمنين من هؤلاء العشرة فعد زبير تسعة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة الجراح فقال له علي (ع) هذه تسعة فعد مرة ثانية ولم يتجاوز التسعة أيضا ثم أعاد علي (ع) عليه إنك ما عددت إلا تسعة فعد مرة ثالثة العشرة بكمالها وعد فيهم عليا فقال له (ع) إنك سمعت عن رسول الله (ص) إني من أهل الجنة قال زبير بلى فقال له علي (ع) أنا أشهد أني سمعت من رسول الله (ص) أنك من أهل النار وأما سادسا فلما مر في صحاح الأخبار من تردد عمر وسؤاله عن حذيفة بقوله هل ذكرني رسول الله (ص) في المنافقين فإنه لو كان هذا الحديث صحيحا لاطمئن به قلب عمر ولما احتاج إلى تفضيح نفسه بذلك السؤال وأما سابعا فلأن أبا بكر ندم حال النزع على إحراق فجاءة السلمي ولا وجه لندامة أهل الجنة عما فعلوه في الدنيا أو نقول إن كان إحراقه إياه كان على الحق فلا وجه لندامة أهل الجنة عن فعل الحق وإن كان على الباطل لزم أن يكون من أهل الجنة ولا أهلا للخلافة وأما ثامنا فلندامته أيضا على كشف بيت فاطمة (ع) كما مر والتقرير أيضا ما مر وأما تاسعا فلما روى من إظهار عمر أيضا الندامة عن الخلافة وقد مر لزوم مسه للآفة فهذه وجوه تسعة ضاحكة مستبشرة ألحقناها إلى روح تسعة من العشرة المبشرة فليقسموها بينهم على تفوت درجاتهم في الجنة ويتمنون أن يكونوا قد ماتوا في بطون أمهاتهم أجنة وليضحك أوليائهم قليلا وليبكوا كثيرا وأما ما ذكره آخر من من أن ولد الزنا لا يدخل الجنة فلا يقدح في دخول من يريد الناصب دخوله في الجنة لأنه قد صحح أنكحة الجاهلية كلها ونفى وجوب الزنا عن الدنيا فلا يدل ما ذكره المصنف إلا على ما تبراى بالقياس إلى أنكحة أهل الإسلام أنه فاحشة وزنا ولا ضير فيه على هؤلاء الصحابة في نفس الأمر فليجمع الناصب خاطره عما توجه إليه فإنه قد صحح أنساب خلفائه بما لا يزيد عليه قال

مخ ۲۹۶