لسان الدين ابن الخطيب
محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السّلماني، قرطبيّ الأصل، ثم طليطليّ، ثم لوشيّ، ثم غرناطيّ. يكنى أبا عبد الله، ويلقّب بلسان الدين، وهو من الألقاب المشرقية. وزير، طبيب، أديب، مؤرخ، وفقيه مالكي أندلسي.
ولد بمدينة لوشة في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة ٧١٣ هـ.
نشأ لسان الدين بغرناطة، وتأدّب على شيوخها، وهم كثر، فأخذ عنهم القرآن، والفقه، والتفسير، واللغة، والرواية، والطب، وصناعة التعديل.
التزم خدمة عدد من السلاطين كأبي الحجاج والسروي محمد الخامس المعروف بالغني بالله وتعرف على علماء المغرب وأصحاب مناصبها كابن خلدون وغيره وبدأ فيها يكتب بعض آثاره المنظومة والمنثورة.
كما وتقلّد بعض المناصب الحكومية ولذلك كان يتوخى تسلم زمام الأمور على الإطلاق، فأخذ يقوم بإبعاد رقبائه، الأمر الذي كلّفه حياته. حتى أنه لم يكن يحتمل وجود صديقه الشهير عبد الرحمن ابن خلدون في غرناطة، إذ كان يقلقه اهتمام الغني بالله به.
ثم شعر ابن الخطيب بأنّ أعداءه، أخذوا يكيدون له عند الغني بالله، وتخيّل أن الغني بالله أخذ يميل إلى قبول وشاياتهم، فاتّصل سرًّا بسلطان المغرب أبي فارس عبد العزيز بن أبي الحسن المريني، فوعده بأن يؤمّن له الحماية اللازمة والرعاية الكافية، وأخذ منه عهدًا بالإقامة في كنفه. عندئذ استأذن الغنيّ بالله في تفقّد الثغور، وسار إليها في لمّة من فرسانه، ومعه ابنه عليّ، فمال إلى جبل طارق، فتلقّاه قائد الجبل، بناء على أمر سلطان المغرب المذكور أعلاه، فأجاز إلى سبتة في جمادى الآخرة من عام ٧٧٣ هـ، ثم توجّه إلى تلمسان فوصلها في التاسع عشر من رجب من العام المذكور، واستقبله السلطان أحسن استقبال، وأحلّه من مجلسه محل الاصطفاء.
وفي الشهر نفسه من السنة نفسها أرسل سلطان المغرب سفيره إلى غرناطة، فأتى بأسرة ابن الخطيب مكرّمة.
عندئذ وجّه إليه القاضي النباهي تهمة الإلحاد والزندقة والطعن في الشريعة والوقوع في جناب الرسول الكريم، بعد أن نعى عليه تدخّله في شؤون القضاء أيام ولايته القضاء، فأصدر فتوى بإحراق كتبه، فأحرقت في ساحة غرناطة، وصودرت أملاكه، واستحثّ سلطان المغرب على تسليمه لإجراء العقوبة عليه، فرفض. ولمّا توفي سلطان المغرب في ربيع الآخر من عام ٧٧٤ هـ فقد ابن الخطيب حاكمًا مخلصًا يحميه من أعدائه. وأخيرًا أودع في السجن، فطوقوا السجن ليلًا وقتلوه خنقًا. ثم أخرجوا جثته من القبر، وأشعلوا من حوله النار، فاحترق شعره واسودّت بشرته، ثم أعيد إلى القبر قبل أن يحترق، وذلك في ربيع الأول من العام ٧٧٦ هـ.
أفاد ابن خطيب من أبرز أساتذة ذلك العصر ولكنه لم يرب الكثير من التلامذة إذ لم يكن له مجلس درس.
آثاره
وله تأليفات كثيرة تربو على الستّين مؤلّفًا، ما بين كتاب ورسالة، منها: آداب الوزارة، الإحاطة في أخبار غرناطة، أوصاف الناس في التاريخ والصلاة، جيش التوشيح، رقم الحلل في نظم الدول، روضة التعريف بالحب الشريف، ريحانة الكتاب وغيرها.
ناپیژندل شوی مخ
[المجلد الاول]
مقدمة المحقّق
بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا هو كتاب «الإحاطة، في أخبار غرناطة» نقدّمه للقرّاء والباحثين، بعد أن أدركنا أنّنا، بعون الله تعالى، سنقوى على تذليل الصّعاب التي نمرّ بها في أثناء التحقيق؛ فالكتاب موسوعة تاريخية وأدبية وجغرافية، يحتاج إلى لجنة من المؤرّخين والأدباء والجغرافيين المهتمّين بالحقل الأندلسي؛ لأن الجهد الفردي غير كاف لنشر مثل هذه الموسوعات العلمية التي تحتاج إلى مجهود جماعي؛ لتحقيق أماكنها الجغرافية والتعريف بأعلامها التاريخية والأدبية، ودراسة الشعر الذي يشغل خمس الكتاب أو أكثر بقليل.
وهذا الكتاب أشهر وأضخم مؤلّفات لسان الدين ابن الخطيب، التي تنوف على السّتّين. وقد استهلّه بمقدّمة مسجّعة بدأها بالحمد والثّناء، ثم انتقل إلى ذكر السبب الذي دعاه إلى كتابته وهو أن بعض المصنّفين أفرد لوطنه تاريخا، كتاريخ مدينة بخارى لمحمد بن أحمد بن سليمان الفخار، وتاريخ بغداد للخطيب أبي بكر أحمد بن علي البغدادي، وتاريخ دمشق لأبي القاسم علي بن الحسن بن عساكر، وتاريخ مصر لعبد الرحمن بن أحمد بن نواس، وتاريخ مالقة لأبي عبد الله بن عسكر، فداخلته عصبية حبّ الوطن، فأقدم على كتابة تاريخ لوطنه غرناطة.
وعنوان الكتاب يدلّ على الغاية التي رمى إليها ابن الخطيب بتأليفه؛ وهي تقديم صورة شاملة عن كل ما يتعلّق بمدينة غرناطة من أوصاف وأخبار، فذكر مروجها وجبالها وأنهارها، وتغنّى بها فقال «١»: [الكامل]
بلد تحفّ به الرياض كأنّه ... وجه جميل والرياض عذاره
€
المقدمة / 3
وكان قبله قد تغنّى بها ابن جبير، صاحب الرحلة، فقال «١»: [مجزوء الرمل]
يا دمشق الغرب هاتي ... ك، لقد زدت عليها
تحتك الأنهار تجري ... وهي تنصبّ إليها
وترجم لثلاث وتسعين وأربعمائة شخصية أندلسية، ممّن حكموا غرناطة، أو وفدوا إليها من المغرب أو المشرق، من ملوك، وأمراء، وأعيان، وولاة، ووزراء، وقضاة، وعلماء، وزهّاد، وصوفيّة ... ولم ينس أن يكتب سيرته الذاتية في آخر الكتاب، ولكنها ترجمة موجزة تناولت نسبه ومولده ونشأته وتقلّده الوزارة لأبي الحجّاج يوسف النّصري ثم لولده الغني بالله، ونكبته مع الغني وهجرته إلى المغرب، ثم عوده مع الغني سنة ٧٦٣ هـ، ثم مشيخته، ومؤلّفاته، وإيراده بعض شعره.
والكتاب لم يكتب دفعة واحدة؛ فقد بدأ بجمعه قبل نفيه مع سلطانه الغني بالله سنة ٧٦١ هـ، واستأنف العمل فيه بعد عودته من المنفى سنة ٧٦٣ هـ، فراجعه وزاد فيه فجعله في ستة مجلدات. وظلّ يضيف إليه وينقّح فيه حتى عام ٧٧١ هـ، تاريخ غزوة الغني بالله لأحواز مدينة إشبيلية التي كانت آنذاك في قبضة الإسبان «٢» . وقد يكون زاد فيه بعد هذا التاريخ، ونرجّح أن يكون انتهى من تأليفه سنة ٧٧٢ هـ، أي قبل فراره إلى المغرب بسنة.
وقد استعمل ابن الخطيب غير تسمية للكتاب، فذكره، إلى جانب العنوان الذي وضعناه له، باسم «الإحاطة، في تاريخ غرناطة» وقال: إنه في سبعة أسفار «٣»، ثم ذكره باسم «الإحاطة بما تيسّر من تاريخ غرناطة» وقال: إنه كتاب كبير في تسعة أسفار «٤» . ثم عاد واختصره باسم «تاريخ غرناطة» وقال: إنه في اثني عشر سفرا «٥» .
وقد استعمل ابن الخطيب هذه التسمية الأخيرة المختصرة في مواطن كثيرة. وفي كتابه «اللمحة البدرية» ذكر اسم كتاب عنوانه: «الإماطة، عن وجه الإحاطة، فيما أمكن من تاريخ غرناطة» «٦» . ثم عاد وذكره في كتابه المذكور عند حديثه عن عوائد أهل غرناطة وأوصافهم، فقال العبارة التالية: «من كتاب الإماطة، عن وجه الإحاطة، فيما أمكن من تاريخ غرناطة» «٧» . ثم أورد هذه العبارة نفسها في كتاب الإحاطة «٨» . ونحن،
€
المقدمة / 4
بدورنا، نميل إلى أن كتاب «الإماطة» هو اسم آخر لكتاب «الإحاطة» أو هو مختصر كتاب «الإحاطة»؛ لأنّ ابن الخطيب لم يذكر «الإماطة» في ثبت كتبه في آخر «الإحاطة» .
والترتيب الذي اعتمده هو ذكر الحاضرة غرناطة، ووصف محاسنها والحديث عن الذين سكنوها وتولّوها، ملتزما الترتيب الأبجدي لأصحاب التراجم، لا الترتيب التاريخي. وقدّم للكتاب، وجعله قسمين، القسم الأول في حلي المعاهد والأماكن والمنازل والمساكن، والقسم الثاني في حلي الزائر والقاطن والمتحرّك والساكن «١» .
وبعد أن انتهى من مقدمة الكتاب بدأ في القسم الأوّل بفصل يدور حول اسم مدينة غرناطة، فقدّم لنا وصفا جغرافيّا دقيقا لهذه المدينة «٢»، ثم تناول تاريخها منذ أن نزلها العرب أيام الفتح حتى سلاطين بني نصر «٣» . وذكر قراها، وقال: إنها تنوف على ثلاثمائة قرية «٤» . ثم انتهى إلى فصل ثان ذكر فيه سير أهل غرناطة وأخلاقهم وأحوالهم وأنسابهم وجندهم وزيّهم «٥» . وأنهى القسم الأول بفصل ثالث حصره فيمن تداول هذه المدينة منذ أصبحت دار إمارة «٦» . ثم بدأ القسم الثاني، ويتناول الذين ترجم لهم، وعقد في آخره ترجمة مختصرة لنفسه.
والكتب التي اعتمدها ابن الخطيب في جمع مادته كثيرة، أهمها تاريخ أبي عبد الله محمد بن جزي الغرناطي، الذي شرع في أثناء مقامه بفاس بكتابة تاريخ عام لبلده غرناطة، ولكنه مات سنة ٧٥٧ هـ قبل أن يتمّه. وقد صرّح ابن الخطيب بأنه اطّلع على هذا الكتاب بمدينة فاس عندما قام بسفارة إلى المغرب سنة ٧٥٥ هـ، وسار على منهاجه عند تأليف «الإحاطة» «٧» . أضف إلى ذلك الوثائق والمعلومات التي اعتمدها والتي أخذها من معاصريه ذوي الشأن.
ويعدّ كتاب «الإحاطة» من أهم المصادر الأندلسية في التراجم والتاريخ..؛ فهو من جهة معجم في التراجم، ومن جهة ثانية كتاب في التاريخ، إلّا أنه كتاب تراجم أكثر منه كتاب تاريخ. وبرغم ذلك، فإنه يلقي علينا الضوء على أهم ظاهرة اجتماعية كانت منتشرة في أيامه في بلاد المغرب والأندلس معا، ألا وهي مصارعة الثيران؛ فقد ذكر أنه حضر في المغرب في عهد أبي عنان فارس بن أبي الحسن بن أبي سعيد بن
€
المقدمة / 5
أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني، عندما أرسله سلطان غرناطة الغني بالله رسولا على إثر بيعته عام ٧٥٥ هـ، مصارعة بين ثور وأسد، انتهت بانتصار الثور وجرح الأسد، وخروج طائفة من الرجال المسلحين أخذوا يناوشون الأسد الجريح إلى أن قتلوه، بعد أن أردى بعضهم «١» . وفي مكان آخر يصف ابن الخطيب المصارع الغرناطي بأنه فارس مغوار صارع الثور وهو ممتط فرسه المدرّب، ثم قتله برمحه.
وهذا النوع الثاني من المصارعة ما يزال موجودا في إسبانيا حتى اليوم.
وقد لاقى كتاب «الإحاطة» استحسانا من قبل قارئيه، فعدّه المقري من الكتب التي ذاع صيتها بالمشرق والمغرب، وذهب إلى أن المشارقة كانوا أشدّ إعجابا به من المغاربة، وأكثر لهجا بذكره، مع قلّته في تلك البلاد المشرقية، إذ اعتنى باختصاره الأديب المصري الشهير بدر الدين محمد بن إبراهيم البشتكي، المتوفّى سنة ٨٣٠ هـ، وسمّاه: «مركز الإحاطة، في أدباء غرناطة»، وفي في مجلدين بخطّه «٢» .
وبرغم ما في كتابه من إيجابيات، وهي كثيرة جدّا، فإن لنا بعض المؤاخذات عليه والنقد له، إذ الكمال لواهبه، ومنها أنه كثير التكرار في كتاباته، من ذلك رسالة ينقلها في «الإحاطة» ثم يوردها كما هي في كتابه «الريحانة»، وقد صدرت عنه عن سلطان غرناطة الغني بالله، وتتعلق بمجموع الفتوحات والغزوات التي قام بها السلطان المذكور، أرسلها إلى صاحب تونس أبي إسحاق المستنصر إبراهيم بن أبي بكر ابن يحيى الحفصي «٣» . ورسالة ثانية هي رسالة «السياسة»، وقد نقلها في «الإحاطة» ضمن ترجمته الشخصية، ثم أوردها كما هي في الريحانة «٤» . كذلك نقل في «الإحاطة» بعض مقاماته ورسائله وبعض كتبه الصغيرة، وأوردها كما هي في الريحانة.
وقد طبع هذا الكتاب مرتين؛ طبعة ناقصة بجزءين في مجلد واحد، وطبعة كاملة بأربعة أجزاء، بتحقيق الأستاذ محمد عبد الله عنان، مصر، ١٩٧٣- ١٩٧٧، وقد رأينا أن نتولّى هذا العمل تحقيقا وإشرافا، فآلينا على أنفسنا ألّا نوفّر جهدا في سبيل القدرة على الاضطلاع بكل ما يحتاجه التحقيق، فبذلنا في إخراجه من العناية ما استطعنا عليه؛ صحّحنا عددا غير قليل من أخطاء القراءة، التي لا تكاد صفحة تخلو منها تحريفا وتصحيفا ونقصا وتشويها، وبخاصة الشعر حيث قمنا بمراجعته وضبطه وفقا للمصادر التي ورد فيها، وقرنّا النصوص بهوامش وتعليقات تفسيرية، فعرّفنا
€
المقدمة / 6
بالأعلام والأماكن حيث كان ذلك ضروريّا، وشرحنا الألفاظ التي تتطلب الشرح وبخاصة بعض المصطلحات الأندلسية غير المعروفة عند المشارقة، بصورة تتّفق مع ما تتطلبه المناهج العلمية الحديثة من أساليب البحث والتحقيق المقارن. وقد تمّ ذلك بعد أن رأى الحاجّ محمد علي بيضون، صاحب دار الكتب العلمية، أن نعيد طبع هذا الكتاب؛ إذ رغب إلينا في أن نقوم بتحقيقه، فقبلنا طلبه، وتولّينا الكتاب بالتحقيق العلمي، وشرعنا بالعمل منذ أكثر من ثلاث سنوات، احتجنا في خلالها إلى أناة قد لا يقوى عليها الكثير من الناس، فجاء الكتاب كما يراه القارئ، وبحسبنا أننا أدّينا الذي يجب علينا في هذا السبيل، فإن قصّرنا فما توفيقنا إلّا بالله تعالى، والكمال لله تعالى وحده. وارتأينا أن نتمّم عملنا بتقديم نبذة موجزة عن سيرة المؤلّف فنقول: هو «١» محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السّلماني، نسبة إلى سلمان، وسلمان حيّ من مراد من عرب اليمن القحطانيين. قرطبيّ الأصل، ثم طليطليّه، ثم لوشيّه، ثم غرناطيّه.
يكنى أبا عبد الله، ويلقّب بلسان الدين، وهو من الألقاب المشرقية، وقد أسبغ عليه الغني بالله لقب ذي الوزارتين؛ لجمعه بين الوزارة والكتابة. ويقال له: «ذو العمرين»؛ لاشتغاله بتدبير الحكم في نهاره، والتصنيف في ليله.
ولد بمدينة لوشة في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة ٧١٣ هـ، وتوفي قتيلا بمدينة فاس في ربيع الأول من عام ٧٧٦ هـ.
أصل سلفه بني سلمان، كما مرّ معنا قبل قليل، من عرب اليمن، استقرّوا عقب الفتح بقرطبة، ثم غادروها وانتقلوا مع كثير من المعارضين للحكم الرّبضي، ومع أعلام الجالية القرطبية، كيحيى بن يحيى الليثي وأمثاله، عند وقعة الرّبض الشهيرة سنة ٢٠٢ هـ إلى طليطلة واستقرّوا بها. وعندما شعروا بقرب سقوط طليطلة «٢» غادروا إلى لوشة.
€
المقدمة / 7
عرف بيته في القديم بقرطبة وطليطلة ببني وزير، ثم حديثا بلوشة ببني الخطيب. وقد أطلق لقب «الخطيب» على جدّه الأعلى «سعيد»؛ كونه كان خطيبا بلوشة، فعرف به أبناؤه من بعده. وسعيد هذا هو أول من استوطن لوشة، وكان من أهل العلم والصّلاح والدين والخير والفضل، توفي عند تغلّب العدو على بلده عنوة.
انتقل جدّه الأقرب سعيد والد أبيه من لوشة إلى غرناطة عندما نافسه جيرته بنو الطنجالي الهاشميون، وكان مستوليا على خلال حميدة من فقه وحساب وأدب وخط وتلاوة، تزوج من إحدى قريبات زوجة السلطان أبي عبد الله محمد بن محمد بن يوسف النّصري (٦٧١- ٧٠١ هـ)، ما أحكم الصّلة بينه وبين القصر. وكانت وفاته في ربيع الآخر من عام ثلاثة وثمانين وستمائة.
ولد أبوه «١» عبد الله بغرناطة عام ٦٧٢ هـ، وكان من أهل العلم والأدب، ومن أكابر علماء غرناطة. ترك غرناطة وانتقل إلى لوشة مخصوصا بلقب الوزارة. ولمّا تولّى السلطان أبو الوليد إسماعيل بن فرج النّصري (٧١٣- ٧٢٥ هـ) مقاليد الحكم، عاد عبد الله إلى غرناطة ليخدم في القصر السّلطاني. ثم لازم السلطان أبا عبد الله محمد بن إسماعيل بن فرج النصري (٧٢٥- ٧٣٣ هـ)، ثم السلطان أبا الحجاج يوسف بن إسماعيل بن فرج النصري (٧٣٣- ٧٥٥ هـ) . خدم كمشرف على مخازن الطعام، ثم في ديوان الإنشاء مع الوزير أبي الحسن ابن الجيّاب، إلى أن توفي يوم الاثنين السابع من جمادى الأولى عام أحد وأربعين وسبعمائة، مع ولده الأكبر في موقعة طريف.
نشأ لسان الدين بغرناطة، وتأدّب على شيوخها، وهم كثر، فأخذ عنهم القرآن، والفقه، والتفسير، واللغة، والرواية، والطب، وصناعة التعديل. وقد ذكرهم تحت عنوان «المشيخة» في آخر كتاب «الإحاطة» «٢» . وروى ابن خلدون أن لسان الدين تأدّب على مشيخة غرناطة وأخذ عن أشياخه دون أن يذكرهم، واكتفى بالقول بأنه اختصّ بصحبة الحكيم المشهور يحيى بن هذيل، فأخذ عنه العلوم الفلسفية، وبرّز في الطب، ونبغ في الشعر والترسّل «٣» . وأضاف أنه امتدح السلطان أبا الحجاج، وملأ الدولة بمدائحه، فرقّاه السلطان إلى خدمته، وأثبته في ديوان الكتّاب ببابه مرءوسا بأبي
€
المقدمة / 8
الحسن ابن الجيّاب، شيخ النظم والنثر. ولمّا هلك ابن الجيّاب سنة ٧٤٩ هـ ولّاه أبو الحجّاج رئاسة الكتّاب ببابه، وثنّاها بالوزارة، ولقّبه بها يوم كان الحاجب أبو النعيم رضوان رئيس وزرائه «١»، ثم أرسله سفيرا عنه إلى سلطان المغرب أبي عنان المريني، ليستمدّ منه العون على عدوّه الإسباني، فجلّى في أغراض سفارته «٢» . ولمّا مات أبو الحجاج، أبقاه ابنه السلطان الجديد الغني بالله محمد بن أبي الحجاج يوسف النصري (٧٥٥- ٧٩٣ هـ) في مركزه وزاد في تكريمه، وضاعف حظوته، وأعلى مجلسه، وأرسله سفيرا عنه إلى سلطان المغرب أبي عنان المريني؛ لتجديد أواصر المحبة التي كانت قائمة بين أبيه أبي الحجاج يوسف وبين أبي عنان، وذلك في الثامن والعشرين من ذي القعدة سنة ٧٥٥ هـ. وفي الخامس عشر من محرم من العام ٧٥٦ هـ، عاد ابن الخطيب إلى غرناطة. وفي الثامن والعشرين من رمضان من عام ٧٦٠ هـ، قام أخو الغني بالله، إسماعيل بن أبي الحجاج يوسف النصري، الذي كان معتقلا في أبراج قلعة الحمراء، بمؤازرة بعض الناقمين على الغني، بثورة على هذا الأخير، وأقصوه عن الحكم، وقتلوا الحاجب رضوان، ونادوا بإسماعيل سلطانا، ففرّ الغني إلى وادي آش. وسعى ابن الخطيب إلى مصانعة السلطان الجديد، فاستبقاه في الوزارة، ولكن لأسابيع قليلة فقط، حيث قبض عليه واعتقله. وسعى سلطان المغرب أبو سالم المريني لدى سلطان غرناطة الجديد إلى أن يجيز للغني الانتقال إلى المغرب برفقة ابن الخطيب، فأفرج عن ابن الخطيب، فلحق بسلطانه المخلوع في وادي آش، وانتقل الاثنان من هناك إلى المغرب، فوصلا مدينة فاس في السادس من محرم سنة ٧٦١ هـ «٣» . وفي السادس لذي القعدة من العام التالي، توفيت زوجته أمّ ولده، فدفنها بالبستان المتصل بداره بمدينة سلا، ووصفها بواحدة نساء زمانها.
ولمّا ثاروا بغرناطة وقتلوا السلطان إسماعيل، ونادوا بمحمد بن إسماعيل بن فرج سلطانا، جاز الغني بالله إلى الأندلس مع قاضي حضرته أبي الحسن النباهي ووزيره ابن الخطيب، ففرّ السلطان الجديد، واستردّ الغني ملكه، وذلك في الحادي والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة ٧٦٣ هـ «٤» . وفي الثامن من رمضان أصدر
€
المقدمة / 9
الغني مرسوما بإعادة ابن الخطيب إلى منصبه في الوزارة. وفي أوائل سنة ٧٦٤ هـ وصل ابن خلدون إلى غرناطة، بعد أن فقد نفوذه في بلاط فاس، فاستقبله الغني أحسن استقبال، وفي سنة ٧٦٥ هـ أرسله الغني سفيرا إلى قشتالة، وفي سنة ٧٦٦ هـ عاد ابن خلدون إلى المغرب، بعد أن فترت العلاقات مع ابن الخطيب.
ثم شعر ابن الخطيب بأنّ أعداءه، وفي مقدمتهم الوزير أبو عبد الله محمد بن يوسف ابن زمرك، والقاضي أبو الحسن علي بن عبد الله النباهي، والوزير سليمان بن داود، أخذوا يكيدون له عند الغني بالله، وتخيّل أن الغني بالله أخذ يميل إلى قبول وشاياتهم، فاتّصل سرّا بسلطان المغرب أبي فارس عبد العزيز بن أبي الحسن المريني، فوعده بأن يؤمّن له الحماية اللازمة والرعاية الكافية، وأخذ منه عهدا بالإقامة في كنفه. عندئذ استأذن الغنيّ بالله في تفقّد الثغور، وسار إليها في لمّة من فرسانه، ومعه ابنه عليّ، فمال إلى جبل طارق، فتلقّاه قائد الجبل، بناء على أمر سلطان المغرب المذكور أعلاه، فأجاز إلى سبتة في جمادى الآخرة من عام ٧٧٣ هـ، ثم توجّه إلى تلمسان فوصلها في التاسع عشر من رجب من العام المذكور، واستقبله السلطان أحسن استقبال، وأحلّه من مجلسه محل الاصطفاء.
وكان قد بعث، وهو يغادر وطنه إلى غير رجعة، برسالة وداع إلى الغني بالله، يبرّىء فيها نفسه ونزاهة مقصده، وبعث منها نسخة إلى ابن خلدون، أوردها هذا الأخير كاملة في كتابيه «كتاب العبر» و«التعريف بابن خلدون» «١»، وهي من أروع الرسائل إجادة وبلاغة، وقد بدأها بأربعة أبيات من الشعر، نذكر منها هذين البيتين:
[المنسرح]
بانوا فمن كان باكيا يبكي ... هذي ركاب السّرى بلا شكّ
تصدّع الشّمل مثلما انحدرت ... إلى صبوب جواهر السّلك
وفي الشهر نفسه من السنة نفسها أرسل سلطان المغرب سفيره إلى غرناطة، فأتى بأسرة ابن الخطيب مكرّمة.
عندئذ وجّه إليه القاضي النباهي تهمة الإلحاد والزندقة والطعن في الشريعة والوقوع في جناب الرسول الكريم، بعد أن نعى عليه تدخّله في شؤون القضاء أيام ولايته القضاء، فأصدر فتوى بإحراق كتبه، فأحرقت في ساحة غرناطة، وصودرت أملاكه، واستحثّ سلطان المغرب على تسليمه لإجراء العقوبة عليه، فرفض. ولمّا
€
المقدمة / 10
توفي سلطان المغرب في ربيع الآخر من عام ٧٧٤ هـ فقد ابن الخطيب حاكما مخلصا يحميه من أعدائه، فلجأ إلى الوزير أبي بكر ابن غازي، الذي تولّى أمور الدولة ريثما يكبر ابن السلطان الطفل السعيد.
وانتقل ابن الخطيب والوزير ابن غازي من تلمسان إلى فاس، فقام الثوّار واقتحموا مدينة فاس ونادوا بولاية أحمد ابن السلطان أبي سالم، فأذعن ابن غازي لمطالبهم، فخلع الطفل السعيد، ودخل أحمد البلد وجلس على العرش، وذلك في أوائل محرم من العام ٧٧٦ هـ. عندئذ تحقّق لسلطان غرناطة ما يريده، فقبض سلطان المغرب الجديد على ابن الخطيب، وأودعه السجن، وأخبر الغنيّ بالأمر، فأرسل الغنيّ وزيره ابن زمرك إلى فاس، فأحضر ابن الخطيب في مجلس شورى، ووجّهت إليه التّهم المذكورة، وامتحن بالعذاب. وبرغم دفاعه عن نفسه وظهور براءته من تهمة الزندقة، فقد أعيد إلى السجن. ثم دسّ إليه خصمه الوزير سليمان بن داود بعض الأوغاد من حاشيته، فطرقوا السجن ليلا وقتلوه خنقا. وفي اليوم الثاني أخرجت جثّته ودفن في مقبرة باب المحروق، أحد أبواب فاس القديمة. ثم أخرجوه في اليوم الثالث من القبر، وأشعلوا من حوله النار، فاحترق شعره واسودّت بشرته، ثم أعيد إلى القبر قبل أن يحترق، وذلك في ربيع الأول من العام ٧٧٦ هـ «١» . وما يزال قبره قائما في باب المحروق بفاس في ضريح صغير عليه هذه العبارة: «هذا ضريح العلّامة لسان الدين ابن الخطيب» .
ولم يتخذ ابن الخطيب النثر والشعر وسيلة للتكسّب، بل كتبهما ليظهر مواهبه، ويتمشّى مع مفهوم العصر، الذي كان يفرض على كل أديب أن ينثر وينظم. امتلك ناصية الأدب، شعرا ونثرا، فكان له نثر مستملح غلب عليه السّجع وجمع بين دقّة الصّنعة ورقّة الطّبع، وشعر برع فيه ونبغ، سواء في القصيدة العربية الكلاسيكية أو في فنّ التوشيح، حتى انتهت إليه رئاسة هذا الفن، وصار من ألمع شعراء وأدباء عصره، ما دفع ابن خلدون إلى القول: «ونبغ في الشعر والترسّل بحيث لا يجارى فيهما» «٢» .
وأضاف: «وكان الوزير ابن الخطيب آية من آيات الله في النظم والنثر، والمعارف والأدب، لا يساجل مداه، ولا يهتدى فيها بمثل هداه» «٣» . كما عدّه ابن الأحمر «شاعر الدنيا، وعلم المفرد والثّنيا، وكاتب الأرض إلى يوم العرض ...» «٤» .
€
المقدمة / 11
وكان ابن الخطيب معجبا بشعره، معتدّا به، اسمعه وهو يقول من قصيدة هنّأ بها الغني بالله يوم عقد بيعته سنة ٧٥٥ هـ «١»: [الطويل]
ودونكها من بحر فكري جواهرا ... تقلّد في نحر وتنظم في عقد
ركضت لها خيل البديهة جاهدا ... وأسمعت آذان المعاني على بعد
تناول فيه موضوعات الشعر العربي وأغراضه المعروفة من مديح ورثاء وغزل ... وقد استفرغ معظم مدائحه في سلاطين بني نصر، وكان أبو الحجّاج يوسف أوفرهم نصيبا. كما مدح سلاطين بني مرين بالمغرب. وجرى في قصائد المديح ومقطوعاته على سنن قدماء المسارقة، فبدأها بالغزل ووصف الخمر والطّلل، وعدّد فيها صفات الممدوح المعروفة من شجاعة وكرم ومروءة وعدل ... كذلك له مدائح نبوية قالها في مناسبة ذكرى مولد الرسول الكريم، أشاد فيها بذكره، وأشار إلى بعض معجزاته، وهي تختلف عن قصائد المدح من حيث دفق العاطفة وحرارة الإيمان.
وفي الرثاء بدت عاطفته صادقة، عبّر فيه بوجدانية صادقة عن إحساسه العميق بحقيقة الموت، ولا سيما في رثاء زوجته التي أخذت منه كل مأخذ، فقد أظهر رثاؤه مدى لوعته وحرقته على فقدها، حيث أحسّ بقرب الرحيل، فطلب منها أن تمهّد لديها مضطجعا له «٢»: [المنسرح]
روّع بالي وهاج بلبالي ... وسامني الثّكل بعد إقبال
فانتظريني، فالشّوق يقلقني ... ويقتضي سرعتي وإعجالي
ومهّدي لي لديك مضطجعا ... فعن قريب يكون ترحالي
ولمّا توقّع، وهو في السجن، مصيبة الموت، نظم شعرا مؤثّرا، بكى فيه نفسه «٣»: [المتقارب]
بعدنا وإن جاورتنا البيوت ... وجئنا لوعد ونحن صموت
وكنّا عظاما فصرنا عظاما «٤» ... وكنّا نقوت فها نحن قوت
وكنّا شموس سماء العلا ... غربن فناحت عليها السّموت
€
المقدمة / 12
فقل للعدا ذهب ابن الخطيب ... وفات فمن ذا الذي لا يفوت؟
ومن كان يفرح منهم له ... فقل: يفرح اليوم من لا يموت
وجادت قريحته بشعر الغزل، فسار فيه على خطى ابن زيدون وأمثاله ممّن كانت المحبوبات يقمن بزيارتهم عند قدوم الظلام، كقوله فيمن عاتبته؛ لأنه تناساها «١»:
[البسيط]
زارت ونجم الدّجى يشكو من الأرق ... والزّهر سابحة من لجّة الأفق
والليل من روعة الإصباح في دهش ... قد شاب مفرقه من شدّة الغرق
قالت: تناسيت عهد الحبّ، قلت لها: ... لا والذي خلق الإنسان من علق
وقد أجمع النّقّاد على أنه من كبار وشّاحي الأندلس، برغم أنّ فن التوشيح طمس رسمه في زمانه، وأهمّ موشّحاته تلك التي مطلعها «٢»:
جادك الغيث إذا الغيث همى ... يا زمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلّا حلما ... في الكرى أو خلسة المختلس
وقد عارض فيها موشحة ابن سهل الإسرائيلي الإشبيلي، التي مطلعها «٣»:
هل درى ظبي الحمى أن قد حمى ... قلب صبّ حلّه عن مكنس؟
فهو في حرّ وخفق مثلما ... لعبت ريح الصّبا بالقبس
وتآليفه جيدة في ملح الشعر والخبر، وقد توزّع إنتاجه في التأليف ما بين نظم ونثر، يدور حول الأدب، والتاريخ، والجغرافيا، والسياسة، والطب، وأصول الدين، والتصوّف والشريعة، والموسيقى، والتراجم، بعضه كتبه في غرناطة، والبعض الآخر في المغرب، ويربو على الستّين مؤلّفا، ما بين كتاب ورسالة. وقد أورد ابن الخطيب ثبتا بمؤلّفاته في ترجمته التي عقدها لنفسه في آخر كتابه «الإحاطة» «٤»، غير أن هذا الثّبت لا يشمل كل كتبه. كما ذكر بعض كتبه ورسائله في كتابيه «نفاضة الجراب» «٥»
€
المقدمة / 13
و«ريحانة الكتّاب» «١» . وذكر المقري مؤلّفات ابن الخطيب وقال: إنها نحو الستين «٢» .
ومؤلّفاته التي وصلت إلينا تدور في معظمها حول الأدب والتاريخ، وما لم يصل إلينا فقد أحرق معظمه، ويتعلق بالطب والأخلاق والعقائد.
أولا- مؤلّفاته التاريخية:
١- الإحاطة، في أخبار غرناطة: تحدّثنا عنه في أول المقدمة.
٢- أعمال الأعلام، فيمن بويع قبل الاحتلام، من ملوك الإسلام، وما يجرّ ذلك من شجون الكلام: هو آخر مؤلّف كتبه ابن الخطيب، وقد ألّفه للوزير أبي بكر بن غازي، القائم بالدولة، والوصيّ على الطفل محمد السعيد، الذي تولّى الحكم في المغرب بعد موت والده السلطان عبد العزيز المريني سنة ٧٧٤ هـ. وفيه استأنف حملته على القاضي أبي الحسن النباهي، ونعته ب «الجعسوس» أي القزم الدميم. ولم يتح له القدر إكماله، فتركه ناقصا، والذي كتبه يشتمل على ثلاثة أقسام: قسم يتناول تاريخ المشرق ومصر والشام. والثاني يتناول تاريخ الأندلس حتى أيام ابن الخطيب.
والثالث يتناول تاريخ المغرب وإفريقية. نشر منه فقط القسمان الثاني والثالث.
٣- رقم الحلل، في نظم الدول: عبارة عن أرجوزة من نظم ابن الخطيب نفسه، أهداها إلى سلطان المغرب في أثناء إقامته بمدينة سلا في المدة التي قضاها منفيّا بالمغرب ما بين ٧٦٠ و٧٦٣ هـ. وتدور حول تاريخ الدول الإسلامية بالمشرق والأندلس، منذ أيام الرسول الكريم حتى أيام ابن الخطيب، بدءا بالخلفاء الراشدين، ومرورا بدولة بني أمية، وبني العباس، وبني الأغلب، والفاطميين، وبني أمية بالأندلس، وانتهاء بدولة بني نصر بغرناطة وبني حفص بإفريقية وبني مرين بالمغرب.
وهكذا سرد ابن الخطيب التاريخ الإسلامي شعرا، وقام في الوقت نفسه بشرح ما رواه نظما. والكتاب، على حدّ قول المقري، في غاية الحلاوة والعذوبة والجزالة، وقد ابتدأه بقوله «٣»: [الرجز]
الحمد لله الذي لا ينكره ... من سرحت في الكائنات فكره
وهذا الكتاب مطبوع في تونس. وهو أيضا من منشورات وزارة الثقافة بدمشق، ١٩٩٠.
€
المقدمة / 14
٤- طرفة العصر، في دولة بني نصر: يقع في ثلاثة أسفار، ويؤرّخ لبني نصر.
وهو مفقود.
٥- قطع الفلاة، بأخبار الولاة: عبارة عن رسالة قصيرة في النثر، تمثّل فيها ابن الخطيب بشعر من نظم غيره. وتدور حول ولاة مغاربة أمثال ابن الربيب، أحد خدّام السلطان أبي سالم المريني، الذي كان مكلّفا بصرف جراية ابن الخطيب في أثناء إقامته بالمغرب، ووالي مكناسة عبد الله بن محمد. والرسالة لا تزيد عن عشر صفحات، وقد أوردها ابن الخطيب في كتابه «نفاضة الجراب» «١» .
٦- اللّمحة البدريّة، في الدولة النّصرية: كتاب مختصر لتاريخ بني نصر بغرناطة، بدأ تدوينه عام ٧٦٣ هـ، وانتهى منه أول عام ٧٦٥ هـ، وقد توخّى فيه الصدق وبعد النظر في درك الحقائق. وهو مطبوع.
٧- نفاضة الجراب، في علالة الاغتراب: هو سجلّ لمذكّرات ابن الخطيب الشخصية عن المدة التي قضاها منفيّا في مدينة سلا المغربية مع سلطانه الغني بالله ما بين ٧٦٠ و٧٦٣ هـ. وهو في أربعة أسفار، طبع منه فقط السّفر الثاني، وفيه يهنّئ سلطان المغرب أبا سالم المريني بمناسبة فتح تلمسان، ويذكر بعض القصائد والرسائل التي كتبها في سلا، ويتحدّث عن حال غرناطة في عهد السلطان أبي سعيد البرميخو المغتصب، ويرثي زوجته التي توفيت في عام ٧٦٢ هـ. ويأتي من حيث الأهمية بعد كتاب «الإحاطة» . وجاء اسم الكتاب في كتابه «الريحانة» هكذا: «نفاخة الجراب» في ثلاثة أسفار «٢» . وجاء في مكان آخر من الكتاب نفسه: «نفاضة الجراب» «٣» .
ثانيا- مؤلّفاته في الجغرافيا والرحلات:
١- خطرة الطّيف، ورحلة الشتاء والصيف: رسالة مسجّعة وصف فيها ابن الخطيب رحلة قام بها برفقة سلطانه أبي الحجاج يوسف النّصري في السابع عشر من محرم لعام ٧٤٨ هـ، لتفقّد مقاطعات غرناطة الشرقية. وردت ضمن أربع رسائل جمعها الدكتور أحمد مختار العبادي في كتاب أسماه: «مشاهدات لسان الدين بن الخطيب في بلاد المغرب والأندلس» «٤» تحت عنوان: «خطرة الطيف، في رحلة الشتاء والصيف» .
€
المقدمة / 15
٢- معيار الاختبار، في أحوال المعاهد والديار: رسالة في الأدب والترسّل المسجّع، وصف فيها ابن الخطيب أهم مدن المغرب والأندلس، وقد دوّنها في أثناء المدة التي قضاها في المنفى مع سلطانه الغني بالله بين عامي ٧٦٠ و٧٦٣ هـ.
ووردت ضمن أربع رسائل جمعها الدكتور أحمد مختار العبادي في كتاب أسماه «مشاهدات لسان الدين بن الخطيب في بلاد المغرب والأندلس» «١» تحت عنوان:
«معيار الاختبار، في ذكر أحوال المعاهد والديار» . والعنوان الذي اخترناه من «نفاضة الجراب» حيث جاء فيه أنه «كتاب غريب مصوّر لم يسبق متقدم إلى غرضه» «٢» . وجاء العنوان في «الإحاطة» و«أزهار الرياض» هكذا: «معيار الاختيار» «٣»، وفي «النفح»:
«معيار الأخبار» «٤» .
٣- مفاضلة بين مالقة وسلا: عبارة عن رسالة مسجّعة قارن فيها ابن الخطيب بين مدينة مالقة الأندلسية ومدينة سلا المغربية، وقد تحيّز فيها إلى مالقة التي كانت آنذاك تابعة لمملكة غرناطة. وقد وردت ضمن أربع رسائل جمعها الدكتور أحمد مختار العبادي في كتاب أسماه: «مشاهدات لسان الدين ...» «٥» تحت عنوان «مفاخرات مالقة وسلا» . وهذا العنوان اخترناه من كتاب «الإحاطة» «٦»، وهو في كتاب «الريحانة» «٧» هكذا: «مفاخرة بين مالقة وسلا»، وهو عند المقري «٨»: «مفاضلة مالقة وسلا» . ونستطيع أن نعدّ هذه الرسالة ضمن الرسائل الأدبية، وبمعنى آخر، فهي رسالة في أدب الجغرافيا.
ثالثا- مؤلّفاته في التراجم:
١- الإكليل الزاهر، فيما فضل عند نظم التاج من الجواهر: هو تتمة لكتابه «التاج المحلّى»، كتبه لسلطانه أبي الحجاج يوسف النصري، واعتمد فيه أسلوب السّجع في ترجمة بعض أعلام عصره. وقد ورد العنوان نفسه في كتابه «ريحانة الكتاب» «٩» هكذا: «الإكليل الزاهر، فيمن فضل عند نظم التاج من الجواهر» . وهو غير مطبوع، وتوجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة الإسكوريال تحت رقم ٥٥٤.
€
المقدمة / 16
٢- التاج المحلّى، في مساجلة القدح المعلّى: يقع في سفر، وهو مفقود، وقد كتبه لسلطانه أبي الحجاج يوسف النصري في زمان الحداثة، ويترجم لمائة وعشرة شعراء عاشوا في مملكة غرناطة في القرن الثامن الهجري. وقد ورد اسمه في كتابه «ريحانة الكتاب» «١» هكذا: «التاج المحلّى، ومساجلة القدح المعلّى» . وكتاب «القدح المعلّى» الذي يساجله ابن الخطيب هو لابن سعيد الأندلسي.
٣- عائد الصلة: يقع في سفرين، وهو مفقود، وقد وصل به «صلة الصلة» للأستاذ أبي جعفر بن الزبير، المتوفّى سنة ٧٠٨ هـ. ويترجم لطائفة من الأعلام الذين لم يرد ذكرهم في كتاب ابن الزبير.
٤- الكتيبة الكامنة، في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة: كتبه في جمادى الآخرة من عام ٧٧٤ هـ، بعد وفاة السلطان أبي فارس عبد العزيز المريني بثلاثة أشهر. وفيه يحمل بشدّة على القاضي أبي الحسن النباهي وينعته بأقسى النعوت. ويترجم لمائة وثلاثة من أدباء وشعراء وفقهاء الأندلس المعاصرين له. ذكره في ثبت كتبه، الذي أورده في كتابه «الإحاطة» «٢» تحت عنوان: «الكتيبة الكامنة، في أدباء المائة الثامنة» . وكذا أورده المقري «٣» . وأورده في مكان آخر هكذا «٤»: «الكتيبة الكامنة، في شعراء المائة الثامنة» . ونحن اعتمدنا العنوان الذي اعتمده محقّق الكتاب، الدكتور إحسان عباس، طبعة دار الثقافة، بيروت، ١٩٦٣. والعنوان نفسه ذكره ابن الخطيب في مقدمة الكتاب المذكور «٥» . وينسب إليه كتاب عنوانه: «تحفة ذوي الأدب، في مشكل الأسماء والنسب، في ضبط ما وقع في الموطإ والصحيحين من الأسماء والنسب» . والكتاب نشره تروغرتمان في ليدن، سنة ١٩٠٥، ويقع في إحدى وسبعين ومائتي صفحة «٦» .
رابعا- المؤلّفات الأدبية (شعرا ونثرا):
١- أبيات الأبيات: مفقود، اختاره ابن الخطيب من مطالع ما له من الشعر، وذكره ضمن مؤلّفاته التي كتبها في بادئ الأمر «٧» . كما ذكره المقري في كتابيه «النفح» و«الأزهار» «٨»، دون أن يزيد شيئا عمّا جاء به ابن الخطيب.
€
المقدمة / 17
٢- تافه من جمّ، ونقطة من يمّ: مفقود، وهو عبارة عن مجموعة رسائل اقتضبها ابن الخطيب من نثر شيخه أبي الحسن علي بن محمد الأنصاري، المعروف بابن الجيّاب، على حدّ قول ابن الخطيب نفسه في ترجمة شيخه المذكور في المجلد الرابع من كتابه «الإحاطة» . وذهب المقري إلى أن ابن الخطيب جمع في هذا الكتاب نثر ابن الجيّاب «١» . وأضاف أنه دوّن أيضا شعر شيخه ابن الجيّاب «٢» .
٣- تخليص الذهب، في اختيار عيون الكتب: مفقود، وأغلب الظن أنه يدور حول ثلاثة كتب أدبية، لم يذكر اسمها.
٤- جيش التوشيح: كتاب في سفرين؛ السّفر الأول مطبوع بتونس، سنة ١٩٦٧، وفيه مائة وخمس وستون موشحة لستة عشر وشّاحا عاشوا في القرن السادس الهجري، ومن ضمنها خمس عشرة موشحة خرجاتها عجمية (الإسبانية القديمة) .
والسفر الثاني مفقود، ويدور حول وشّاحي القرن السابع الهجري والنصف الأول من القرن الثامن الهجري.
٥- خلع الرّسن، في أمر القاضي ابن الحسن: مفقود، وقد ألّفه للسلطان أبي فارس عبد العزيز المريني، بعد أن فرّ من الأندلس إلى المغرب، وفيه يهجو خصمه اللدود القاضي أبا الحسن علي بن عبد الله ابن الحسن النباهي، صاحب كتاب «المرقبة العليا» . وورد اسمه في مكان آخر بهذا الاسم «٣»: «خلع الرّسن، في التعريف بأحوال ابن الحسن» .
٦- الدرر الفاخرة، واللّجج الزاخرة، مفقود، جمع فيه ابن الخطيب ديوان شعر أبي جعفر أحمد بن إبراهيم ابن صفوان المالقي، المتوفّى سنة ٧٦٣ هـ، أيام مقامه بمالقة عند توجّهه بصحبة السلطان أبي الحجاج إلى نجدة الجزيرة الخضراء عام ٧٤٤ هـ، حسبما يذكر في ترجمة ابن صفوان المذكور، في الجزء الأول من كتاب الإحاطة.
٧- ريحانة الكتّاب، ونجعة المنتاب: يقع في ثمانية أسفار، وفيه طائفة كبيرة من الرسائل السلطانية والسياسية، يتعلق بعضها بوصف الغزوات والوقائع الحربية التي جرت في إشبيلية وجيان والجزيرة الخضراء وجبل طارق، وبعضها يطلب فيها الإنجاد والعون من سلاطين المغرب. كما يحتوي على مخاطبات ملوك النصارى الإسبان.
€
المقدمة / 18
وهو مطبوع في مجلدين، بتحقيق الأستاذ محمد عبد الله عنان، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ١٩٨١.
٨- السّحر والشّعر: عبارة عن مختارات شعرية لمشارقة وأندلسيين أمثال أبي العتاهية، وابن الرومي، وابن رشيق، والمعتمد بن عباد، وابن عمّار، وابن اللبانة، تعالج موضوعات شتى، من ضمنها الوصايا والنقد. توجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة الإسكوريال تحمل الرقم ٤٥٦، ونسخة أخرى بخزانة الرباط العامّة ذات الرقم.D ١٢٩٥
٩- الصّيّب والجهام، والماضي والكهام: عنوان الديوان الذي جمع فيه ابن الخطيب معظم شعره، ويقع في سفرين، ويعالج معظم أغراض الشعر. السفر الأول حقّقه الدكتور محمد الشريف قاهر، الجزائر، ١٩٧٣. والسفر الثاني مفقود.
١٠- طلّ الغمام، المقتضب من الصّيّب والجهام: أغلب الظنّ أنه مختصر ديوان شعر ابن الخطيب، السابق الذّكر، إذ لم يذكره ابن الخطيب ضمن مؤلّفاته، كما لم يذكره ممّن ترجم له، وانفرد ابن القاضي بذكره «١» .
١١- فتات الخوان، ولقط الصّوان: مفقود، ويقع في سفر واحد، ويتضمن فقط مقطوعات شعرية.
١٢- كناسة الدّكّان، بعد انتقال السّكّان: كتاب أدب وترسّل، يدور حول العلاقات السياسية بين مملكتي غرناطة والمغرب في القرن الثامن الهجري. ويضمّ مجموعة من الرسائل السلطانية التي كتبها كلّ من أبي الحجّاج يوسف وولده الغني بالله إلى سلطان المغرب أبي عنان فارس، وقد جمعها ابن الخطيب عند إقامته بمدينة سلا المغربية، بعد التجائه مع سلطانه الغني بالله إلى المغرب. وهو مطبوع بالقاهرة، ١٩٦٦.
١٣- المباخر الطيبية، في المفاخر الخطيبية: مفقود، ألّفه للسلطان أبي فارس عبد العزيز المريني، بعد هروبه إلى المغرب سنة ٧٧٣ هـ. يدور موضوعه حول الرّدّ على خصومه الذين انتقصوا من منزلة بني الخطيب؛ يذكر فيه نباهة سلفه وما لهم من المجد، ويردّ على من جاهر له بالعداوة وقدح في فخر أسلافه.
١٤- مثلى الطريقة، في ذمّ الوثيقة: عبارة عن رسالة صغيرة يعرّض فيها ابن الخطيب بالموثقين والعدول، وقد أوجبها محاورة صدرت في ذلك بينه وبين بعض
€
المقدمة / 19
شيوخ تلك الطريقة، تضمّنت نظما ونثرا، وفقها وحكاية «١» . وهذه الرسالة منشورة ضمن: دراسات ووثائق، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ١٩٨٣، بتحقيق الدكتور عبد المجيد التركي.
١٥- مساجلة البيان: لم يرد ذكره في أيّ من المصادر التي ترجمت لابن الخطيب، كما أنه لم يرد اسمه ضمن مؤلّفات ابن الخطيب، التي ذكرها بنفسه.
وانفرد التطواني بذكره في كتابه: «ابن الخطيب من خلال كتبه» «٢» . وأغلب الظن أنه يدور حول علم البيان، وهو واحد من علوم البلاغة العربية؛ علم البيان، وعلم البديع، وعلم المعاني.
١٦- النّفاية، بعد الكفاية: مفقود، كذا ورد اسمه في كتاب «الإحاطة»، وجاء فيه أنه في نحو «قلائد العقيان» و«مطمح الأنفس» لابن خاقان «٣» . وهو عند المقري «٤»: «النّقاية» بالقاف. ولابن الخطيب كتاب في غرض الهجاء، مفقود، ويوجد منه قسم في الخزانة العامّة بالرباط تحت رقم ١٢٣٣، أوله: الباب الثالث والأربعون «٥» .
خامسا- مؤلّفاته في الشريعة والتّصوّف والحثّ على جهاد النفس:
١- استنزال اللّطف الموجود، في سرّ الوجود: كذا ورد اسمه في الإحاطة، ونفح الطيب وأزهار الرّياض «٦» . وجاء في «ريحانة الكتاب» «أسرار» بدل «سرّ»، كما يقول ابن الخطيب نفسه: «وثبتّ في صدر كتابي المسمّى ب «استنزال اللّطف الموجود، في أسرار الوجود، وهو ما جمعته لهذا العهد ...» «٧» . وهذا المؤلّف عبارة عن رسالة صغيرة في التصوّف، توجد منه نسخة مخطوطة في المكتبة العامّة بتطوان تحمل الرقم ٣٥٣.
٢- أنشدت على أهل الرّدّ: عبارة عن رسالة في الشعر، مفقودة، يدور موضوعها حول الرّدّ على أصحاب الآراء المضلّة وأهل الزندقة، وقد ذكرها ابن الخطيب في ترجمة الغني بالله محمد بن يوسف النصري، وهي أول ترجمة في الجزء الثاني من كتابه «الإحاطة» .
€
المقدمة / 20
٣- الحلل المرقومة، في اللّمع المنظومة: عبارة عن أرجوزة من ألف بيت في أصول الفقه «١» . توجد منه نسخة مخطوطة في خزانة القرويين بفاس، تحمل الرقم ٧٨ «٢» .
٤- حمل الجمهور، على السّنن المشهور: عبارة عن رسالة مفقودة، يدور موضوعها حول السّنن المشهور، كجهاد النّفس، وإخماد البدع، والاشتداد على أهل الزّيغ والزندقة، الذين أضاقوا الشريعة بأضاليلهم. وقد ذكرها ابن الخطيب في ترجمة الغني بالله، في أوّل الجزء الثاني من كتابه «الإحاطة» «٣» .
٥- رجز الأصول: هو أرجوزة مفقودة تبحث في أصول الفقه، وقد شرحها ابن خلدون، صاحب كتاب العبر، وصرّح ابن الخطيب نفسه بأنّ له خمس أراجيز من نظمه في أصول الفقه، نظمها بمدينة سلا «٤» .
٦- الرّدّ على أهل الإباحة: هو كتاب مفقود، يردّ فيه ابن الخطيب على من أباح ما لم يبح.
٧- الرّميمة: أغلب الظّنّ أنه مقالة مفقودة تدور حول أصول الدين والدّفاع عن الشريعة، وقد ورد ذكرها فقط في كتاب الإحاطة «٥» .
٨- روضة التعريف، بالحبّ الشريف: كتاب في التصوّف، موضوعه المحبة الروحية والإلهية، عارض به «ديوان الصبابة» لأبي العباس أحمد بن يحيى بن أبي حجلة التّلمساني، وتكلّم فيه على طريقة أهل الوحدة المطلقة. وجعله خصومه وثيقة اتّهام وجّهوها إليه فنسبوه إلى مذهب الحلول وغيره، ما أدّى إلى نكبته التي ذهبت فيها نفسه. نشره الأستاذ عبد القادر أحمد عطا، بدار الفكر العربي بالقاهرة، سنة ١٩٦٨.
٩- الزّبدة الممخوضة: نعتقد أنّه مقالة مفقودة تدور حول أصول الدين، ورد ذكرها فقط في كتاب الإحاطة «٦» .
€
المقدمة / 21