ولكن ما قيمة حياته؟ هل كانت هي الحياة المثلى التي لم يكن ليستطيع أن يختار غيرها لو أنه كان قد خير في بداية عمره؟
وتضاربت الأفكار والخواطر حتى احتواه النوم، واستيقظ في الصباح وتحدث إلى زوجته، وفاجأها بأنه ينوي زيارة الهند، وتأملته وهي لا تصدق ما تسمع، ونهض إلى مكتبته، وقعد يتأمل ولا يقرأ.
وبعد أن تأمل صفحات حياته الماضية فكر وحاول أن يتعقل؛ لقد امتاز بعبقرية الذهن، لا شك في ذلك، ولكنه لم يمتز بعبقرية الحياة. أجل، إن هناك فرقا بين عبقرية الذهن وعبقرية الحياة.
لا شك أنه فيلسوف وعالم وأديب وكل شيء، لقد حفلت حياته بالإحساس والتفكير، ولكنها لم تحفل بالحوادث والاختبارات.
ثم عارض نفسه وهو يقول: ولكن لماذا أقول هذا؟ ألم أحب؟ أحببت امرأتين أخلصت كلتاهما لي.
ولكنه تذكر حبه للمرأة الأولى، وكان مأساة؛ فلقد بسطت أمامه المائدة بكل ما تحتوي من شهي الطعام، وشرع يأكل، ولكن لقمة واحدة لم تدخل فاه، كأن شللا قد أطبق شفتيه، وحاولت هي أن تفتح شفتيه، ولكنها عجزت، وبحث، ونقب، ودرس، وفكر، ثم عرف أن ثقافته قد أرهفت إنسانيته فجعلته يرى في الطعام لحما يصرخ بأنه من الحيوان فترفع عنه.
ألم يعش قرابة سنتين وهو لا يذوق اللحم؟
لقد كان ذهنه متخما بالفنون والآداب التي أفسدت معاني الحب عنده، وكما جعلته يعزف عن طعام اللحم جعلته أيضا يعزف عن لقاء اللحم؛ لقد كان يحب بذهنه، ولكنه كان يجب أن يحب بإحساسه أيضا، ولقد هنئ غيره بالشهوات الأرجوانية أما هو فلم يعرفها؛ لأن دمه شحب بالدراسة وفقد أرجوانيته.
ولكن الحب عاد فدخل قلبه واستقر وأثمر في المرة الثانية.
ثم قال: ولكن حياتي الماضية لم تغص إلى الأعماق، ولم ترتفع إلى القمم؛ لقد عشت في وادي الحياة، لم أعرف إحساس الخطر، ورعشة التحدي له، أو لذة الفرار منه، لم أعش في باريس حين حاصرها الألمان، ولم أخرج مع الناجين ومدافع الألمان تطاردهم، ولم أتذوق علقم الحياة من بؤس أو فقر أو مرض، وكان يجب أن أجرع هذا العلقم حتى أقيء منه. «لقد كانت حياتي حياة الأفكار، ولم تكن قط حياة الحوادث والاختبار»!
ناپیژندل شوی مخ