فلولا جهل هؤلاء الحشو الطغام واستيلاء العناد عليهم لاكتفوا في هذا المشهد بشهادة الحسن بن علي رضي الله عنهما، وشهادة زيد بن علي عليهما السلام، وجعفر بن محمد رضي الله عنه، ولكنهم قد أنسوا بمخالفة آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله في كل شيء، حتى في مواضع قبورهم ?ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون? [التوبة: 32] وكم قد جرى من أمثال هذا العناد والقصد إلى إخفاء آثار هذه الذرية الطاهرة، ومحو مآثرهم من المتغلبين في الدنيا، كخلفاء بني أمية، ومن سلك سبيلهم وزاد عليهم من خلفاء بني العباس، فأبى الله إلا رد كيدهم في نحورهم وعكس ما دبروه وحاولوه عليهم، فآثارهم مطموسة، وقبورهم مجفوة مجهولة مع حصول الملك فيهم وبقاء سلطانهم.
وآثار هذه العترة الطاهرة لا تزيدها الأيام إلا إشراقا وظهورا وضياء ونورا.
هذا الرضا علي بن موسى عليهما السلام دفنه المأمون في الموضع الذي دفنه فيه ب(طوس) إلى جنب أبيه إظهارا لإكرامه والرفع منه، فمنذ دفن عليه السلام فيه نسب المشهد إليه، بل صار الموضع مشهدا له، حتى أن أكثر الناس لا يعرف أن هارون مدفون هناك.
ومن يعرف ذلك من مخالفي الشيعة والمنحرف عن مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم والمعتقدين لإمامة غيرهم يدخل ذلك المشهد أكثرهم زائرين للرضا عليه السلام، ومتبركين به، وراجين استجابة الدعوة فيه، ومستنجحين للحاجات عنده، فلا يلتفتون إلى قبر هارون ولا يعتدون به، وهؤلاء ولاة خراسان ووزراؤهم، وكتابهم، وقوادهم، وفقهاؤهم، وتناؤهم، وخواص أهلها، وعوامهم على طوال الدهر لا ينسبون المشهد إلا إليه ولا يعرفونه إلا به، وخراسان منشأ الدعوة العباسية، وأهلها أنصار دولة المسودة.
وفي هذا عبرة لمن اعتبر، ودليل على أن أمر الله عز وجل فوق كل أمر.
توفي عليه السلام وله أربع وستون سنة، سنة أربعين، وقد قيل غير هذا، وهذا أصح.
مخ ۳۰