كل عقل يعلم ما فوقه وما تحته. إلا أنة يعلم ما تحته بأنه علة له، ويعلم ما فوقه لأنه يستفيد منه الفضائل. والعقل جوهر عقلى. فعلى نحو جوهره يعلم الأشياء التى يستفيدها من فوق، والأشياء التى هو لها علة: فهو مميز ما فوقه وما تحته، ويعلم أن ما فوقه علة له، وما تحته معلول منه. ويعرف علته ومعلوله بالنوع الذى هو عليه، أعنى بنوع جوهره. وكذلك كل عالم: إنما يعلم الشىء الأفضل والشىء الأدنى الأرذل على نحو جوهره وذاته، لا على نحو ما عليه الأشياء. فإن كان هذا هكذا، فلا محالة إذن أن الفضائل التى تتنزل على العقل من العلة الأولى تكون فيه عقلية، 〈وكذلك الأشياء الجسمانية المحسوسة تكون فى العقل عقلية〉. وذلك أن الأشياء التى فى العقل ليست الآثار بعينها، بل هى علل الآثار. والدليل على ذلك أن العقل بعينه علة الأشياء التى تحته بأنه عقل فقط. فإذا كان العقل علة الأشياء بأنه عقل، فلا محالة أن علل الأشياء فى العقل عقلية أيضا.
فقد استبان أن الأشياء فوق العقل وتحته قوة عقلية لأنه علة لها. وكذلك الأشياء الجسمانية مع العقل عقلية، والأشياء العقلية فى العقل عقلية، لأنه علة لعلتها، ولأنه إنما يدرك الأشياء بنوع جوهره: وهو أنه عقل — فيدرك الأشياء إدراكا عقليا — عقلية كانت الأشياء أم جسمانية.
[chapter 8] ٨ — باب آخر
مخ ۱۱