قال في الأساس: بيان الاستدلال بهذه الآية، أما السماوات والأرض فإنا نظرنا في خلقهما فوجدناهما لم ينفكا عن إمكان الزيادة والنقصان والتحويل والتبديل والجمع بينهما وتفريق كل منهما، فذلك الإمكان إما قديم أو محدث ليس الأول لأن الإمكان لا يكون إلا مع التمكن والتمكن لا يكون إلا عند أن يصح الفعل، والفعل لا يصح إلا بعد وجود الفاعل ضرورة، وما كان بعد غيره فهو محدث فثبت الثاني وهو حدوثه فلزم حدوث لازمه وهو السماوات والأرض، فهما مع ذلك الإمكان إما قديمان أو محدثان ليس الأول لأنا قد علمنا ضرورة أنهما لا يعقلان منفكين عنه وكل ذي حالة لا يعقل منفكا عن حالته يستحيل ثبوته منفكا عنها كالعمارة مثلا فإنه يستحيل وجودها منفكة عن إمكانها وكالمستحيل فإنه يستحيل تخلفه عن عدم إمكانه فلو كانا قديمين لكانا قد تخلفا عن ذلك الإمكان لأن الإمكان لا يكون إلا مع التمكن منهما والتمكن لا يكون إلا بعد صحة الفعل وصحة الفعل لا تكون إلا بعد وجود الفاعل، وما كان بعد وجود غيره فلاشك في حدوثه ولزم حدوث ما يتوقف عليه من جميع ذلك، ولو كانا قديمين لزم تخلفهما عنه قبل حدوثه وهو محال لما بينا فثبت الثاني وهو حدوثهما، وأيضا هما مختلفان فاختلافهما إما للعدم أو لعلة فرضا أو لفاعل ليس الأول لأن العدم لا تأثير له ولا الثاني لأن تأثير العلة إيجاب بزعمهم، فلو كان كذلك لوجب أن تكون السماء أرضا والعكس، والسفلى من السماوات عليا والعكس، إذ ما جعل أحدهما أرضا والآخر سماء ونحو ذلك بأولى من العكس لعدم الاختيار، فثبت أنه لفاعل مختار ولزم تقدمه إذ لا يصح كونه فاعلا مختارا إلا مع تقدمه ضرورة وما تقدم عليه غيره فهو محدث، فثبت بما تقرر من دليل أهل المذهب الصحيح أن لهذا العالم صانعا صنعه ومدبرا دبره، وذلك الصانع إما فاعل أو غيره أو لا فاعل ولا غيره ونعني بالفاعل الصانع المختار وحقيقته هو من وجد من جهته بعض ما كان قادرا عليه، الثالث باطل لأن تأثيرا لا مؤثر له محال وبذا نعرف بطلان قول عوام الملحدة: الدجاجة والبيضة محدثتان ولا محدث لهما، وقول ثمامة بن الأشرس من علماء المعتزلة المتولد محدث ولامحدث له وإلا لزم أن يوجد بناء بلا بان وهو محال، وخلافهم هذا يدل على أن العلم بأن المحدث لابد له من محدث استدلالي لا ضروري خلاف أبي القاسم البلخي. قلنا: إذا لأشترك العقلاء في العلم به، والثاني باطل أيضا إذ ذلك الغير إما علة كما تقوله بعض الفلاسفة والعلة غير معقولة في نفسها سلمنا فلا صحة لتأثيرها إذ تأثيرها إيجاب وقد مر إبطاله، سلمنا فلابد في المؤثر من كونه قادرا حيا على ما سيأتي بيانه ولا حياة لها ولا قدرة.
مخ ۴۰