أما الأصل الأول: وهو أن في الجسم عرضا غيره، وحقيقة العرض هو مالا يشغل الحيز فذلك هو المذهب. وذهبت فرقة من الفلاسفة وحفص الفرد من المجبرة والأصم من النواصب (وهشام بن الحكم) إلى أنه لا عرض في الجسم وهؤلاء هم المعروفون بنفاة الأعراض. وذهب أبوالحسين وابن الملاحمي والإمام يحي بن حمزة إلى نفي المعاني وجعلوا الأعراض كلها صفات للجسم بالفاعل، وبه قال ابن الخطيب الرازي وكثير من الأشاعرة والمجبرة، قال ابن زيد وهو مذهب القاسم والهادي عليهما السلام ومعنى ذلك أن الحركة والسكون ونحوهما هي التي يعبر بها عن كونه متحركا وساكنا ومجتمعا ومفترقا وهذه الصفات إنما تثبت بالفاعل ويؤيد ذلك أن من قال هو متحرك وليس فيه حركة يعد مناقضا وكذا سائرها. فعلمنا استواء كونه متحركا وفيه حركة وليس هناك معنى زائد على الصفة. وذهب جماعة من المعتزلة ومال إليه بعض متأخري الزيدية كالمهدي إلى إثبات المعنى وهو الموجب صفة للجسم، فالحركة أوجبت كونه متحركا ونحو ذلك من تأثير العلة وهو تأثير الإيجاب، وعندنا أن لا مؤثر حقيقة إلا الفاعل المختار إذ تقدمه يدل على اختصاصه بصفة المؤثر والعلة مقارنة لمعلولها فما تخصيص أحدهما بكونه مؤثرا والآخر مؤثرا بأولى من العكس وهذا مما لاشك فيه وسيأتي لهذا مزيد تحقيق. وأما ما ذهب إليه نفاة الأعراض فباطل. قال ابن الملاحمي: إذ ثبوتها معلوم ضرورة على الجملة وقال غيره، قال الدواري: وهو الأصح الأحسن التفصيل وهو أن يقال الحاصل في الجسم لا يخلو إما أن يكون جسما أو معنى أو صفة لا يجوز أن يكون جسما، لوجهين: أحدهما أن الواحد منا ليس بقادر على الجسم ولا يقف على اختياره وكون الجسم متحركا يقف على اختيارنا. الثاني (أن كون) الجسم متحركا يتجدد ثبوته في حال بقاء الجسم والجسم لا يتجدد ثبوته في حال بقاءه، ولا يجوز أن يكون معنى لأن المعنى يعلم على انفراده وكون المتحرك متحركا لا يعلم على انفراده، وإنما يعلم تبعا للعلم بذي الاحتراك فلم يبق إلا أنه صفة.
مخ ۳۲