وأما الطلب المشترك فأصله ( فلم تجدوا ماء فتيمموا ) واختلف العلماء هل يسمى من لم يجد الماء دون طلب غير واجد للماء أم ليس يسمى غير واجد للماء إلا إذا طلب ولم يجد؟ فقال أصحابنا: لا يسمى غير واجد للماء إلا إذا طلب ولم يجد لأن الوجود ها هنا وجود قدرة، وذلك إذا وجده إما ببدنه أو ماله وإما ببدن غيره أو مال غيره على الوجود لذلك، والدليل ما أجمعوا عليه أن المظاهر لا يعدل إلى الصيام إن لم تكن عنده رقبة إن كان قادرا على شرائها، وكذلك لا يعدل الإنسان إلى التراب إذا كان قادرا على الأسباب الموصلة إلى الماء، ألا ترى أنه يجد الماء ولا يجد ما يتوصل به إلى الماء شبه الدلو وغيره ويجزيه التيمم ويجد الماء ويمنعه منه مانع شبه العدو أو السبع أو غيرهما، ويجزيه التيمم إذا خاف على نفسه وليس له أن يحمل نفسه على حالة مخوفة ولا يعرضها لخطة متلفة لقوله تعالى: { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما }([2]) وكذلك إن لم يكن عنده من الماء إلا ما لا يستغنى عنه لطعامه وشرابه فإنه يجزيه التيمم في كل هذا لأنه ممنوع بنهي الله عز وجل، وكذلك ماء الحرام على هذا الحال لأن الوضوء عبادة لله عز وجل يستحق على فعلها ثواب الله ولا يكلفه عز وجل لطاعة لا يتوصل إلى فعلها ليستحق ثوابه إلا بمعصية يستحق عليها عقابه، تعالى الله عن هذا علوا كبيرا. وكذلك تنجية الأموال على هذا الحال، مثل قوم غارت عليهم غارة فأخذت أموالهم فاشتغلوا بطلبها وإن لم يردوا أموالهم فإنهم يجزيهم التيمم لأن تنجية الأموال عندهم والأنفس أوجب من طلب الماء، ألا ترى إلى حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء ولا ماء معهم، فأتى الناس أبا بكر فقالوا له: ألا ترى ما صنعت ابنتك بالناس؟ أقامتهم على غير ماء.
مخ ۲۸۷