اعتصام
الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
پوهندوی
سليم بن عيد الهلالي
خپرندوی
دار ابن عفان
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
د خپرونکي ځای
السعودية
فَالْمُبْتَدِعُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ; إِنَّمَا ضَلَّ فِي أَدِلَّتِهَا، حَيْثُ أَخَذَهَا مَأْخَذَ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ لَا مَأْخَذَ الِانْقِيَادِ تَحْتَ أَحْكَامِ اللَّهِ.
وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُبْتَدِعِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ جَعَلَ الْهَوَى أَوَّلَ مَطَالِبِهِ، وَأَخَذَ الْأَدِلَّةَ بِالتَّبَعِ، وَمِنْ شَأْنِ الْأَدِلَّةِ أَنَّهَا جَارِيَةٌ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمِنْ شَأْنِ كَلَامِهَا الِاحْتِرَازُ فِيهِ بِالظَّوَاهِرِ، فَكَمَا تَجِبُ فِيهِ نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ [التَّأْوِيلَ; تَجِدُ فِيهِ ظَاهِرًا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ] حَسْبَمَا قَرَّرَهُ مَنْ تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ الْعِلْمِ، وَكُلُّ ظَاهِرٍ يُمْكِنُ فِيهِ أَنْ يُصْرَفَ عَنْ مُقْتَضَاهُ فِي الظَّاهِرِ الْمَقْصُودِ، وَيُتَأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ مَا قُصِدَ فِيهِ، فَإِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ الْجَهْلُ بِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ، وَعَدَمُ الِاضْطِلَاعِ بِمَقَاصِدِهَا، كَانَ الْأَمْرُ أَشَدَّ وَأَقْرَبَ إِلَى التَّحْرِيفِ وَالْخُرُوجِ عَنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ، فَكَأَنَّ الْمُدْرِكَ أَغْرَقُ فِي الْخُرُوجِ عَنِ السُّنَّةِ، وَأَمْكَنُ فِي ضَلَالِ الْبِدْعَةِ، فَإِذَا غَلَبَ الْهَوَى; أَمْكَنَ انْقِيَادُ أَلْفَاظِ الْأَدِلَّةِ إِلَى مَا أَرَادَ مِنْهَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّكَ لَا تَجِدُ مُبْتَدِعًا مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَى الْمِلَّةِ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَشْهِدُ عَلَى بِدْعَتِهِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، فَيُنْزِلُهُ عَلَى مَا وَافَقَ عَقْلَهُ وَشَهْوَتَهُ، وَهُوَ أَمْرٌ ثَابِتٌ فِي الْحِكْمَةِ الْأَزَلِيَّةِ الَّتِي لَا مَرَدَّ لَهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦]، وَقَالَ: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [المدثر: ٣١].
لَكِنْ; إِنَّمَا يَنْسَاقُ لَهُمْ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَشَابِهُ مِنْهَا لَا الْوَاضِحُ، وَالْقَلِيلُ مِنْهَا لَا الْكَثِيرُ، وَهُوَ أَدَلُّ الدَّلِيلِ عَلَى اتِّبَاعِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْمُعْظَمَ وَالْجُمْهُورَ مِنَ
1 / 177