واخترق نور الضحى الستائر المفوفة فاستقر على ما في وجهها من بهاء، وما على جفونها من استرخاء، وشعرت بالنعاس، فألقت رأسها على كتفي تقبل عنقي متمتمة كلمات هيامها.
وغلبت على شكوكي أمام هذا الاستسلام، فحسبتني تخلصت من أشباحها المزعجة، فطلبت العفو عن لحظة ثار فيها جنوني قائلا بكل إخلاص: يؤلمني أن أكون وجهت إليك التقريع، فقد ظلمتك من أجل مزاح بريء، غير أنني أطلب إليك إذا كنت تحبينني ألا تكذبي علي حتى في أتفه الأمور، فلا شيء أفظع لدي من الكذب، وما لي طاقة باحتماله.
وانطرحت على سريرها تطلب الوسن، فأردت البقاء إلى جنبها إلى أن تنام، ورأيت جفنيها ينسدلان على جمال عينيها، ولاحت ابتسامة الهجوع على شفتيها، فانحنيت ملقيا على وجهها قبلة الوداع، وخرجت مرتاح القلب أعلل النفس بالتمتع بسعادتي دون أن أعكر صفوها.
وفي اليوم التاني قالت لي بريجيت دون أن تقصد: إن لدي كتابا أدون فيه مذكراتي وما يعن لي من خواطر، وسأعطيك هذا الكتاب لتقرأ فيه ما كتبته في الأيام الأولى التي تعرفت فيها إليك.
وقرأنا سويا ما يتعلق بي، وأضفنا إليه ما عن لنا من سانحات، وأخذت بعد ذلك أقلب الصفحات بحركة آلية، فإذا بنظري يقع على عبارة كتبت بأحرف كبيرة، فقرأت بعض كلمات ليس فيها ما يسترعي الاهتمام، حتى إذا تجاوزتها استوقفتني بريجيت قائلة: لا تقرأ هذا. فرميت الكتاب إلى الخوان قائلا: لك الحق، فما كنت أعلم ما أفعل، فقالت - وقد لاحظت امتعاضي: أتواجه هذا أيضا كأنه جد؟ خذ الكتاب؛ فإنني أريد أن تقرأ. فقلت: لنضرب صفحا عن هذا، فما عساني أجد ما يثير اهتمامي في هذا الكتاب؟ إن أسرارك تعنيك أنت يا عزيزتي.
وبقي الكتاب على الخوان، غير أن عيني كانتا منصبتين عليه، وسمعت فجأة صوتا يهمس في أذني، ولاح لي أنني أرى وجه ديجنه في قساوته، وعلى شفتيه ابتسامته المتجمدة في صقيعها.
فتساءلت عما أتى يفعل ديجنه هنا، كأنني رأيته منتصبا أمامي حقيقة لا خيالا، وقد ظهر لي كما رأيته ذات ليلة وقد انحنى جبينه أمام شعاع مصباحي واندفع يلقي بصوته الأجش دستور العاشقين.
وكنت لا أزال معلقا أبصارى على الكتاب، وقد ترددت على حافظتي بعض كلمات مبهمة لا أذكر أين سمعتها، فقبضت على فؤادي وشعرت أن روح الشك الحائمة حول رأسي قد قطرت سمها الزعاف في عروقي، وتصاعدت أبخرة هذا السم إلى دماغي فأورثني دوار السكر القاتل.
أي سر تخفيه بريجيت عني؟ وكنت أعلم أن ليس لي إلا أن أمد يدي لأفتح الكتاب، ولكنني ما كنت أعرف أين يجب أن أفتحه لأصادف الصفحة التي وقعت أنظاري عليها.
وقد كنت فضلا عن ذلك أرى كبريائي تحول دون رجوعي إلى فتح الكتاب، ولكن هل الكبرياء وحده كان السبب في امتناعي عن اقتحامه؟
ناپیژندل شوی مخ