أفما يكفي الحب إحسانا أنه يجعل الإنسان شاعرا بالحياة، مدركا بأنه خليقة ربه؟
حذار أن تشك في الحب؛ فهو سر لن تجد له تفسيرا، ومهما قيده الناس بأنواع الأغلال، وأحاطوه بالدنايا والأقذار، ومهما تراكم فوقه من المعتقدات السخيفة ما يشوهه ويفسده، فإنه ليبقى بين هذه الأقذار القوة العنيفة المسيطرة، والناموس السماوي الذي يتسامى بقدرته وتعاليه عن الإدراك؛ لأنه الناموس الذي يسير الشمس في أفلاكها.
ما هي هذه الرابطة التي تشد الناس بقيود أصلب وأمتن من الحديد وهي لا تلمس ولا ترى؟
يصادف رجل امرأة ، فما هي إلا نظرة وكلمة فإذا هذه المرأة راسخة في تذكاره لا يجد إلى محوها من صفحاته سبيلا.
من الذي قضى بأن يحدث هذا الانطباع من ذات هذه المرأة دون سواها؟
ارجع إلى العقل والاعتياد والحس، الجأ إلى رأسك وإلى قلبك وعد بالإيضاح إذا تمكنت منه، فإنك لن تجد أمامك إلا جسدين يواجه أحدهما الآخر، وليس بينهما إلا الهواء والمدى.
ما أسخف من يعتقد بإنسانيته ويجسر على اقتحام الحب لتحليله! أرأيتم الحب لتصفوه؟
إن أحدا لم يره، بل شعرتم به شعورا: لقد تبادلتم النظرات مع شخص مجهول مر بكم، فشعرتم فجأة بانطلاق شيء منكم لا يحيط به اسم، ولا يحدده تعبير، فوقف الهوى بكم يشد بأعراقكم إلى الأرض كأنكم حبة الحنطة تشعر بحياة تستنبت منها سنابلها.
وكنا جالسين سوية أمام النافذة المفتوحة نطل على حديقة يخر في طرفها ينبوع صغير تصل سقسقته إلى آذاننا، ولكم أتمنى لو أنني أعد الآن ما أسالت هذه العين من قطرات ونحن نتبادل الحديث، تلك أويقات كنت أثمل منها حتى لا أعي.
يقولون: إن لا شيء أسرع إلى القلب من الشعور بالنفور، غير أنني أرى أسرع منه إلى القلب الشعور بالتفاهم، وبترصد الحب للمتفاهمين، فإن لكل كلمة في هذه المرحلة الأولى قيمة تفوت كل تقدير، وما يقف الفكر عندما تنطق به الشفاه حينما تتجاوب في أحاديثها القلوب.
ناپیژندل شوی مخ