أما إذا كنت ضعيفا، وفي فطرتك صفات المسود لا مزايا السيد، وإذا كنت تشعر أن في جذورك اندفاعا إلى التغلغل حيث تعثر بحفنة من تراب، فالأجدر بك أن تتخذ عدتك للمقاومة؛ لأنك إذا ما استسلمت لضعفك، فلا تتوقع نمو فروعك حيث علقت أصولك؛ لأنك ستجف كالنبتة العليلة لا تورق أغصانها، ولا تنور أزهارها، فينسرب نسغ حياتك إلى الجذوع الغريبة، وتبقى أوراقك كأوراق الصفصاف باهتة متراخية صفراء، وعندئذ لن تجد ما يرويك غير دموعك، وما يغذيك سوى قطع قلبك.
أما إذا كنت متحمسا تؤمن بالأحلام، وتطمح إلى تحقيقها؛ فإنني أقول لك بكل صراحة: إن الحب وهم لا حقيقة له.
وما أنا بمنكر عليك صحة مذهبك في الحب؛ لأنه عبارة عن أن يهب الإنسان جسده وروحه معا، بل هو اندغام شخصين في ذات واحدة تتمشى تحت الشمس، وتجول في الحقول المزهرة، تلتف بأربعة معاصم، وتفكر برأسين، وتشعر بقلبين.
ما الحب إلا إيمان وعقيدة بوجود السعادة على هذه الأرض.
ما الحب إلا المثلث المتألق بالنور على قبة هيكل الوجود، فإذا أنت أحببت مشيت حرا تحت قبة هذا المعبد، وإلى جنبك المرأة التي لا يفوتها إدراك سر خشوعك عند وقوفك لفكرة تخطر لك، أو عند زهرة تلمحها، فتتوجه بنظرة استغراق إلى هذا المثلث السماوي.
إن خير ما في الوجود هو أن يتمتع الإنسان ببذل ما أعطي له من قوة؛ لذلك كانت العبقرية أروع ما يستهوي النفوس، ولكن إذا ما ضاعف الإنسان هذه القوة بضمه فكرا إلى فكره، وعاطفة إلى عاطفته؛ فإنه يبلغ السعادة العظمى، وفيها يتناهى ما وهب الله للناس في هذه الحياة؛ لذلك كانت المحبة أفضل من العبقرية.
تلك هي المحبة، فقل لي الآن إذا كانت العاطفة العليا هي ما نسميه محبة في قلوب نسائنا.
وكيف يكون حبهن حبا؟ وما المحبة في نظرهن إلا الخروج مقنعات من بيوتهن، وتوجيه الرسائل السرية، والسير بذعر على رءوس الأقدام، وإنشاء الدسائس ، وبذل التهكم، ورشق اللحاظ الفواتر، وإرسال تنهدات العذارى، وارتداء الأثواب النفيسة، وخلع هذه الأثواب أخيرا وراء الأقفال لإذلال مزاحم، وخيانة زوج، والنكاية بعشيق.
أجل، ما المحبة في نظر نسائنا إلا التلهي بالأكاذيب كما يتلهى الأطفال بلعبة الكمين. تلك هي فحشاء القلب، وهي أقبح من الدعارة الرومانية، وذلك هو المسخ المولود سفاحا من الفضيلة والرذيلة، تلك هي مهزلة الحياة التي تمثل بالهمس والغمز؛ حيث يتجلى كل شيء صغيرا لا شكل له في رشاقته، فكأنه تمثال صيني لخلقة من عجائب المخلوقات، تلك هي الجنة تتحكم في الجمال والقبح، وفي كل ما هو سماوي وجهنمي في الأرض، تلك هي الأظلال التي لا حقيقة لها، بل هي رمة العظام المتداعي من كل هيكل أقامه الله في الحياة.
هذا ما قاله ديجنه بعباراته اللاذعة متوهجة تحت جنح الظلام.
ناپیژندل شوی مخ