تولستوي
اعترافات تولستوي
تولستوي
اعترافات تولستوي
اعترافات تولستوي
اعترافات تولستوي
تأليف
ليو تولستوي
ترجمة
محمود محمود
ناپیژندل شوی مخ
قصة أديب فيلسوف
بدأ حياته بالشك في الدين،
وانتهى بالإيمان واليقين.
تولستوي
حياته وآراؤه
كان ترجنييف - وهو من أعلام الأدب الروسي الحديث - يعجب بتولستوي أشد العجب، ويعده أعظم
وألم المرض بترجنييف، وأقعده عن الحركة والعمل، ولكنه، رغم ما كان يعاني من ألم،
ولكن تولستوي لم يعر هذه الصيحة المنبعثة من فراش المرض أذنا مصغية، ولم يجب على
كان تولستوي أول الأمر لا يفكر إلا في هذه الحياة الدنيا، ولا يمتد بصره إلى ما وراء
حلت هذه الأزمة النفسية بتولستوي وهو في نحو الخمسين من عمره، وهي أزمة لا نستطيع أن
ناپیژندل شوی مخ
ولكن هذه الأزمة التي حلت بصاحبنا برزت إليه من ظلام النفس لا من نور الحياة، فأحس كأن
ما هذا التبرم، وما هذا الانزعاج؟ إني لم أعد أجد في الحياة متعة، أو أشعر فيها بما يهز
ولن نحاول هنا أن نتعرف إلى طبيعة هذا النزاع الباطني الذي جعل من تولستوي مفكرا
وما السبب في وجودي؟ وما الغرض منه؟ وما معنى هذه التفرقة بين الخير والشر التي أحس بها في
ولكن الإجابة عن هذه الأسئلة كانت فوق العمل الأدبي الذي ألف، فاضطر إلى ممارسة الفلسفة
ولم يكن تولستوي من قبل شاكا، بل كان يعيش ظاهرا وباطنا عيشة هادئة حرة أبيقورية،
وهنا ينتقل تولستوي إلى المرحلة الثالثة من حياته، فقد طلق الأدب أولا، وطلق
وفي هذه المرحلة التي تشتت فيها ذهن تولستوي لا نراه ينتمي إلى عقيدة بعينها، أو يبتدع
وفي هذا الدور وقع له ما يقع لكل باحث وراء الحق حائر، فقد لمس ما أصاب أوامر الدين
ولكن الكنيسة الأوروبية - وقد عاشت الآن زهاء ألف عام - كانت تحس إحساسا دقيقا بالخطر
ناپیژندل شوی مخ
واشتدت العداوة بين الرجل وبين أصحاب النفوذ؛ لأن الكنيسة والدولة تعرفان أن أخلص
فكان الكاتب إذا يعتقد أن بالبناء الاجتماعي الراهن خللا وصدوعا، وأن من واجبه أن ينبه
ومن هذه العقيدة بدأ تولستوي يهاجم الملكية أشد مما هاجمها (كارل ماركس) ومن أقواله فيها:
وما دامت الدولة تعترف بمبدأ الملكية، فهي في رأي تولستوي دولة آثمة لا تقوم على أساس
يرى تولستوي أن هناك هيئة واحدة كبيرة تسرق وتخدع وتحمي كل ظلم، وتلك هي الدولة التي قامت
•••
انقلب تولستوي إذن من باحث ديني إلى فوضوي ثائر، أخذ الآن ينادي بملء فيه أن من واجب كل
ويرى تولستوي أن جرائم الأفراد لا تفسد الجماعة كما تفسدها الدولة بنظمها ومؤسساتها،
وإذا كانت الدولة هي الشر، وهي ستار الفوضى على الأرض، فإن تولستوي يرى إن واجب المؤمن أن
ويثور تولستوي هي نظم الجماعة السائدة، ولكنه لا يشير بمقاومتها بالعنف والشدة - كما
ناپیژندل شوی مخ
والفرق واضح عند تولستوي بين المقاومة السلبية الدينية، وبين الكفاح الإيجابي، فهو يقول:
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
، وإنما يرمي تولستوي إلى ثورة باطنية، ثورة لا تقوم على السلاح،
وهذه النزعة المعادية تذكرنا برسالة لوثر «حرية الرجل المسيحي»، وهي قوية ولا شك، فعالة
وفي اللحظة التي ينتقل فيها تولستوي من التشخيص إلى العلاج، في اللحظة التي لا يكتفي فيها
ومجمل الرأي عند تولستوي أن التسوية الاجتماعية ينبغي ألا تبدأ من أسفل كما يريد
وكان تولستوي يعلم حق العلم أن الهبوط إلى مستوى وضيع في الحياة يهدم كثيرا من مظاهر
وكانت هذه الرسالة فاتنة جذابة في كل بلد كالروسيا بلغ التناقض فيه بين طبقة وطبقة حدا
ولكنه - رغم هذا - لم يستطع أن يصد تيار المعارضة الشديد، حتى بين أفراد أسرته وأقربائه
ولما بلغ الرجل الثالثة والثمانين أحس بالموت يدنو منه، ففر من بيته ليلا، وطفق يهيم على
ناپیژندل شوی مخ
ولعله من التعسف على الرجل ومن عدم الإنصاف له بعد موته أن نقول إن رأيه في الاجتماع
ومن العجيب أن تعاليم تولستوي كان لها أثر عكسي على ألوف أخرى من الناس، فبينا ترى
•••
إن الفكرة الرفيعة لا تتجه وجهة بعينها، وإنما يسيرها الزمن كما تسير الريح السفينة،
إن كل رجل سياسي أو اجتماعي يستطيع أن يستمد من نقد تولستوي لعصره ثاقب الرأي ونافذ
كان تولستوي مثالا يحتذى في قوله وفعله، ونال من الشهرة أقصاها، ولم يحاول أن يستغل
اعترافات تولستوي
يقول تولستوي:
ولدت لأبوين مسيحيين، ونشأت على العقيدة المسيحية الأرثوذكسية، وتلقيت تعاليمها في عهد
وما عندي من ذكريات لهذا العهد يدل على أنني لم أكن جادا في عقيدتي، وإنما كنت أركن إلى
ناپیژندل شوی مخ
وأذكر أني قبل أن أبلغ الحادية عشرة التقيت في بيتي في يوم من أيام الأحد بغلام اسمه
وأذكر كذلك أن أخي الأكبر دمتري - وكان حينئذ يطلب العلم بالجامعة - قد كرس نفسه فجأة
وأذكر أن موسن بوشكن - أمين جامعة قازان في ذلك الحين - دعانا مرة إلى الرقص في بيته،
وأذكر كذلك أني قرأت فولتير وأنا في باكورة الصبا، وأن سخريته لم تصدم مشاعري، بل أدخلت
وهذا الانحراف عن العقيدة الدينية الذي أصابني يصيب كذلك عادة الشباب الذين يبلغون
إن العقائد الدينية لا تلعب دورا في الحياة أو في صلات الناس الاجتماعية ولا يحسب المرء
إن المدارس تعلم الصبية أصول الدين وترسلهم إلى الكنائس، كما أن موظفي الحكومة ينبغي لهم
ولذا فإن العقيدة الدينية التي يعتنقها المرء - في الوقت الحاضر أو فيما مضى - بمجرد
قص لي مرة «س» قصة خروجه على الدين، و«س» رجل ذكي صادق، قال إنه وهو في السادسة
ولم يتبادلا الحديث بعد ذلك، ولكن من ذلك اليوم امتنع «س» عن أداء صلواته كما امتنع عن
ناپیژندل شوی مخ
وهكذا كانت الحال، ولا تزال - فيما أظن - مع الكثرة الكاثرة من الناس، وأقصد الناس ممن هم
إن العقيدة الدينية التي لقنتها في الصغر اختفت عندي كما اختفت عند غيري، مع هذا
والآن إذ أعود بذاكرتي إلى ذلك العهد أرى بجلاء أن عقيدتي - وأقصد العقيدة الحقيقية الفذة
•••
وسأقص عليكم في يوم من الأيام تاريخ حياتي خلال تلك السنوات العشر من شبابي، وستجدون فيه
إن الناس يقدسون الطموح وحب السلطان والطمع وحب الشر والكبر والغضب والانتقام، فلما
ولست أستطيع أن أعود بذاكرتي إلى تلك السنوات دون أن أحس بالفزع والمقت وألم النفس
وهكذا عشت عشر سنوات.
وفي غضون ذلك شرعت أكتب مدفوعا بالغرور والطمع والكبر، وفعلت في كتابتي ما فعلت في
ولما بلغت السادسة والعشرين من عمري عدت إلى بطرسبرج بعد الحرب، وهناك التقيت بالكتاب،
ناپیژندل شوی مخ
وهذه هي معتقدات هذه الفئة من الناس - أقصد زملائي في التأليف - في الحياة: كانوا يعتقدون
وهذه العقيدة في معنى الشعر وفي تطور الحياة كانت دينا وكنت أحد المبشرين به، والتبشير
وما إن بدأت - فوق ذلك - في الشك في صحة عقيدة المؤلفين نفسها حتى بدأت كذلك أرقب
ومن عجب أني أدركت هذا الخداع ونبذته، ولكني لم أنبذ ذلك اللقب الذي خلعته علي هذه
وأكسبتني عشرتي لهذه الطائفة رذيلة جديدة: وتلك أني زدت استكبارا إلى درجة الشذوذ،
وأني لأحزن وأفزع وأسخر من نفسي، بل إني ليثور في نفسي إحساس يشبه كل الشبه ذلك الإحساس
كنا إذن جميعا في ذلك الحين مقتنعين بضرورة الخطابة والكتابة، وبضرورة إخراج الكتب بأسرع
وألوف العمال يبذلون أقصى الجهد، ويعملون ليلا ونهارا، يرصون الحروف ويطبعون ملايين
كان ذلك أمرا عجبا، ولكنه اليوم أمر مفهوم، ذلك أننا كنا في أعماق نفوسنا نحب أن نظفر
ويتضح لي الآن بجلاء أننا كنا في حالة لا تختلف عن مستشفى المجانين في شيء، ولكني في ذلك
ناپیژندل شوی مخ
•••
وهكذا عشت ست سنوات أخرى مسترسلا في هذا الجنون حتى تزوجت، وفي خلال تلك الفترة رحلت إلى
1
وتعرفي إلى القادة ورجال العلم فيها يقيني - الذي آمنت به - بضرورة الجهاد في
ولم ألحظ ذلك حينئذ: إنما كنت بين الحين والآخر - وبدافع الغريزة لا بدافع العقل - أثور
وعند عودتي من الخارج استقر بي المقام في الريف، وحدث أني شغلت نفسي بالمدارس الريفية،
وبدا لي أني تعلمت هذا في الخارج، وفي عام تحرير الفلاحين (سنة 1861م) عدت إلى روسيا
2
بدأت أعلم الفلاحين غير المتعلمين في المدارس، كما أعلم الطبقة المتعلمة عن
وبقيت عاما كاملا أشتغل بالتحكيم وبالمدارس والمجلة، وبلغ مني الإنهاك مبلغه - نتيجة
ناپیژندل شوی مخ
وتزوجت بعد عودتي من بشكير، وقد صرفتني الظروف الجديدة للحياة العائلية السعيدة تماما عن
وهكذا انقضت خمس عشرة سنة أخرى.
وبرغم أني أصبحت أنظر إلى التأليف كأنه عديم الأهمية ثابرت على الكتابة خلال هذه الأعوام
فواصلت الكتابة أبث بين السطور ما كنت أعتبره الأمر الوحيد الصادق: وهو أن يحيا المرء لكي
هكذا عشت، ولكن منذ خمس سنوات حدث لي أمر عجيب جدا، كانت تمر بي في مبدأ الأمر لحظات من
وإلام يؤدي بنا؟
وبدا لي أول الأمر أن هذا السؤال وما يشبهه ناب لا يؤدي إلى غرض، وظننت الأمر جليا
وحدث لي ما حدث لكل من يقض مضجعه مرض باطني قاتل، تبدو على المريض أولا أعراض طفيفة من
ذلك ما حدث لي، وأدركت أنه لم يكن توعكا طارئا، وإنما هو أمر جلل، كما أدركت أنه لا
3
ناپیژندل شوی مخ
من الأرض في حكومة «سمارا»، وثلاثة آلاف جواد، ولكن ماذا بعد هذا؟» ... وتبلبلت
وأحسست أن ما كنت أستند إليه قد انهار، وأني لم أعد أجد لي عمادا، إن ما عشت من أجله لم
•••
آلت حياتي إذن إلى الركون، فكنت أتنفس وآكل وأشرب وأنام، ولم يكن لي بد من ذلك، ولكن لم
كنت إذن رجلا سليم الجسم موفور الثراء، ومع ذلك أحسست أني لا أستطيع مواصلة العيش،
وحل بي كل هذا في وقت كان يحوطني فيه من كل جانب ما يعتبره الناس الحظ الكامل السعيد،
وتبدت لي حالتي العقلية في هذه الصورة: ليست حياتي سوى مهزلة سخيفة يمثلها معي شخص آخر،
وبدا لي - بغير قصد - أن هناك في مكان ما شخصا يلهو بمشاهدة الطريقة التي عشت بها ثلاثين
ولم أدر إن كان ذلك «الشخص» الذي يسخر مني موجودا أو غير موجود، ولم أستطع أن أرى معنى
روي في الأساطير الشرقية من زمان بعيد أن وحشا هائجا أدرك رجلا مسافرا في البيداء،
ناپیژندل شوی مخ
ولم تعد تخدعني مسرات الحياة الموهومة التي كانت فيما سلف تخفف من فزعي من الأفعى، وكم
ولم أعد أجد حلاوة في قطرتي العسل اللتين حولتا عيني عن الحقيقة المرة أكثر من أي شيء
وفكرت في «الأسرة» وقلت لنفسي إن أسرتي - زوجتي وأطفالي - هم كذلك من البشر، وهم في نفس
ثم فكرت في الفن والشعر، وكانت نفسي - تحت تأثير النجاح والثناء الذي ظفرت به - قد اطمأنت
وليت الأمر وقف عند هذا الحد، فلو أني أدركت أن الحياة تخلو من المعنى واكتفيت بهذا
حقا لقد كان الأمر يدعو إلى الهلع الشديد، ولكي أخلص نفسي من هذا الفزع أردت أن أقتل
•••
وكررت لنفسي هذه العبارة «ولكني ربما سهوت عن شيء أو أسأت الفهم، إذ لا يمكن أن تكون هذه
بحثت في كل العلوم، ولكني لم أظفر بما أردت، بل اقتنعت بأن كل من كان مثلي يبحث في
بحثت في كل مكان، وحيث إني قضيت حياتي في العلم، وحيث إني كنت كذلك شديد الصلة بعالم
ناپیژندل شوی مخ
وبقيت طويلا لا أستطيع أن أصدق أن العلم لا يجيب عن مشكلة الحياة بأكثر مما يقدم لنا
إن سؤالي الذي حفزني إلى حافة الانتحار وأنا في الخمسين من عمري كان أيسر الأسئلة جميعا،
وأستطيع أن أعبر عن السؤال بصيغة أخرى فأقول: «لماذا ينبغي لي أن أعيش، ولماذا أرغب في أي
وقد بحثت في العلم عن جواب لهذا السؤال الوحيد الذي عبرت عنه بصيغ مختلفة، ووجدت أن
ذلك أن مجموعة من مجموعات العلم لا تعترف بالمشكلة فيما يظهر، ولكنها تجيب بوضوح ودقة عن
وقد شغفت منذ حداثتي بالعلوم المعنوية، وجذبتني العلوم الرياضية والطبيعية فيما بعد، وقد
قلت لنفسي في دائرة العلوم التجريبية: «إن كل شيء يتطور ويتنوع ويسير نحو التعقيد
وفوق كل هذا فإن سؤالي الشخصي «من أكون أنا بما يجيش في نفسي من رغبات؟» بقي بغير جواب،
ونستطيع أن نعبر بوجه عام عن العلاقة بين العلوم التجريبية ومشكلة الحياة بهذه العبارة؛
ثم قلت لنفسي في ميدان العلوم المعنوية «إن الإنسانية كلها تعيش وتتطور على أساس من
ناپیژندل شوی مخ
ولا بد لي أن أعترف أنه قد مر بي وقت اعتقدت فيه ذلك، وكان ذلك عندما كانت لي مثلي
وكما أن الإنسان - في ميدان المعرفة التجريبية - الذي يبحث مخلصا كيف له أن يعيش لا يمكن
فالعلم التجريبي إذن لا يعطينا سوى المعرفة الإيجابية، ويعرض عظمة العقل الإنساني حينما
وعلى هذا فإني مهما قلبت هذه الإجابات الفلسفية لا أستطيع أن أظفر بما يشبه الجواب، لا
•••
أحسست أثناء بحثي عن جواب لمشكلة الحياة أن مثلي كمثل رجل ضل في غابة، فهو يبلغ رقعة من
وهكذا أخذت أجول في تلك الغابة من معارف الإنسان، وسط أضواء العلوم الرياضية والتجريبية
ولما أسلمت نفسي إلى الجانب المضيء من المعارف أدركت أني إنما كنت أحيد ببصري عن المشكلة،
قلت لنفسي: «إني أعرف ما يصر العلم على كشفه، وليس على امتداد ذلك الطريق جواب عن مشكلة
وفي خلال بحثي عن دائرة واحدة من المعرفة الإنسانية، ظفرت بعدد لا يحصى من الإجابات التي
ناپیژندل شوی مخ
وترى من هذا الجواب أنه لا يجيب عن السؤال، فأنا أريد أن أعرف معنى حياتي، أما كونها
أما الجانب الآخر من العلم - الجانب المعنوي - فهو حينما يلتزم مبادئه التزاما دقيقا
وفي العلم المعنوي البحت؛ أي في الفلسفة الحقيقية - لا في تلك الفلسفة التي يسميها
قال سقراط وهو يتأهب للموت: «إننا نقترب من الحقيقة كلما أشرفنا على مفارقة الحياة، إذ ما
ويقول شوبنهور: «إذا ما أدركنا أن طبيعة العالم الخفية ليست سوى «الإرادة»، وأن كل مظاهر
ويقول سليمان «باطل الأباطيل - كل شيء باطل، ما فائدة الإنسان من أي عمل يتولاه تحت
قلت في نفسي: الآن انطلق، ولسوف أمتحنك بالمرح، وإذن فلتنعم بمختلف المتع، فكان ذلك
4
هكذا قال سليمان، أو من كتب هذه الكلمات أيا كان.
وهذا ما تحدثنا به الحكمة الهندية:
ناپیژندل شوی مخ
خرج مرة في عربته «ساكياموني» وهو أمير شاب سعيد، خفي عنه العلم بوجود المرض والشيخوخة
ولم يجد «ساكياموني» في الحياة سلوى، وقرر أن الحياة أعظم الشرور، وكرس كل قواه الروحية
وهذه إذن هي الإجابات المباشرة التي تقدمها لنا الحكمة الإنسانية، إذا وجهنا لها السؤال
يقول سقراط: «إن حياة الجسد شر وأكذوبة، وإذن فتحطيم حياة الجسد نعمة، يجب أن
ويقول شوبنهور: «الحياة هي ما لا ينبغي أن يكون - هي شر، والانتقال إلى العدم هو وحده ما
ويقول سليمان: «كل ما في الحياة - من حماقة وحكمة وثراء وفقر ومرح وحزن - باطل وعدم، يموت
ويقول بوذا: «يستحيل على المرء أن يعيش وهو يدرك أن الألم والضعف والشيخوخة والموت أمور
وما ذكره أصحاب هذه العقول الجبارة فكرت فيه وأحست به وعبرت عنه ملايين الملايين من
وهكذا ترى أن جولتي في العلوم عززت لدي روح اليأس بدلا من أن تحررني منها، فإن ضربا
ولا فائدة من أن يخدع الإنسان نفسه، فالكل باطل! وسعيد من لم يولد: والموت خير من الحياة،
ناپیژندل شوی مخ
•••
ولما لم أجد في العلم ما يشفي غلتي، بدأت أبحث عن تعليل المشكلة في الحياة نفسها، وتعشمت
وإليكم ما وجدت بين الناس الذين كانوا يشبهونني في تربيتهم وأسلوب حياتهم.
وجدت أن للناس الذين يحيون حياتي أربعة مخارج من المأزق الذي كنا جميعا نتردى
المخرج الأول:
هو الجهل، وهو الجهل بأن الحياة شر عبث، بل وعدم إدراك هذه الحقيقة،
والمخرج الثاني:
هو الأبيقورية، يدرك المرء أن الحياة لا رجاء فيها فيستغل ما بين يديه من
بهذه الطريقة يجعل أكثر الناس من أمثالي حياتهم مستطاعة، وظروفهم تمدهم
هكذا يفكر ويشعر أكثر الناس اليوم ممن يسيرون على أسلوبنا في الحياة، وقد
ناپیژندل شوی مخ
لم أستطع أن أنهج نهج هذه الفئة، ولما لم أكن مثلهم قاصر الخيال لم أستطع
والمخرج الثالث:
هو القوة والنشاط، إذا ما أدرك الفرد أن الحياة شر وعبث انهال عليها
وقد رأيت أن هذه الوسيلة خير الوسائل للنجاة، وأردت أن أنفذها.
والمخرج الرابع:
هو الضعف، يرى الفرد حقيقة الموقف، ومع ذلك يتشبث بالحياة، وهو يعلم
وهكذا ترى أن أبناء طبقتي من الناس يتفادون التناقض المريع بأربع وسائل، ومهما أعنت الفكر
وما إن أدركته لم أستطع أن أغمض عيني عنه، والوسيلة الثانية أن تضرب في الحياة كما هي دون
وأرى الآن أني لم أنتحر لأني أحسست
وكان الأمر كما يأتي: أدركت بعقلي أن الحياة لا معنى لها، وإذا لم يكن هناك شيء أرقى من
ناپیژندل شوی مخ
وقلت لنفسي لا شك أن الحياة شر لا معنى له، ومع ذلك فقد عشت وما زلت أعيش، وعاش الناس
إن التفكير الذي يظهر عبث الحياة ليس شاقا أو عسيرا، وقد كان من زمان بعيد مألوفا
إن علمي - تؤيده حكمة الحكماء - قد بين لي أن كل شيء على سطح الأرض - عضوي أو غير عضوي
فخطر لي هذا الخاطر: «ربما كان هناك شيء لم أدركه بعد؟ فهذه هي طريقة الجهال، إنما
لا شيء يمنعنا من إنكار الحياة بالانتحار، إذن فلتقتل نفسك، ولا تجادل بعد هذا، إذا كانت
حقا لسنا نحن - الذين نؤمن بضرورة الانتحار ولا ننفذه - سوى أضعف الناس، وأشدهم
حقا لقد عاش الناس من أقدم العصور التي عرفت شيئا عنها - حينما بدأت الحياة - وهم
منذ أن دبت الحياة في الناس على صورة من الصور وجدوا للحياة معنى، وحيوا تلك الحياة التي
•••
كل هذه الشكوك التي أستطيع الآن أن أعبر عنها بشيء من الدقة لم أستطع في ذلك الحين أن
ناپیژندل شوی مخ