اعتراف: دا د ځان کیسه ده
الاعتراف: وهو قصة نفس
ژانرونه
وشربت من أكوابها ما يشرب
إن الوراثة والبيئة والتربية رأس مال السعيد، وإنك ليخيل لك أن في الناس من تسعدهم هذه العوامل حتى إنهم لو تطلبوا الشقاء لما وجدوا إليه سبيلا. هنيئا لهؤلاء! فإنهم أبناء هابيل الذين يحبهم الله. وإن في الناس من تشقيهم هذه العوامل حتى يأنسوا إلى الشقاء، يا بؤس هؤلاء! فإنهم أبناء قابيل الذين يبغضهم الله. هؤلاء الذين رأس مالهم القمل والذل والمسكنة والجهل والآلام والمصائب. وهم الذين أراد الله أن يخلقهم بهائم لا تحس، ولكنه رأى أن يعذبهم في الحياة الدنيا، فخلقهم من البشر، هؤلاء هم أهل الفشل.
إن النجاح في الحياة يستلزم طبائع لا يستقيم إلا بها، وإنه ليخيل لي أحيانا أن ليس عندي هذه الطبائع، مثل: التمليق والرياء والنفاق والضعة والاهتمام بالأشياء الدقيقة الحقيرة والمكر والتطفل وارتقاب الفرص الوضيعة، واتخاذ كل وسيلة مهما كانت دنيئة؛ لاكتساب ثقة الناس، والإلحاح في طلب المنافع منهم، وإظهار الحاجة إليهم والتذلل لهم، والتهافت عليهم وإخفاء مقابحهم مهما عظمت، أو إظهارها في مظاهر المحامد والفضائل، وأن أكسر لهم سلسلة ظهري الفقرية احتراما وتبجيلا، وأن أضحك أو أهش أو أقهقه إذا تبسط أحدهم بالفكاهة الغثة الباردة، وأن أضعهم في منزلة أفلاطون وسقراط إذا اجتهدوا أن يجدوا بالحكمة العالية، وأن أبتسم إذا ابتسموا، وأن أعبس إذا عبسوا، وأن أجعل عرضي لهم خرقة أمسح بها أعراضهم النجسة.
كل هذه الصفات ليس عندي منها إلا القليل النادر - هذا ما أظن - وافتقادها هو سبب من أسباب فشلي في كثير من المساعي. ولا أكتمك أني أحاول التخلق بها، فلا يقربني ذلك التخلق من رغائبي شبرا، كأنما هذه الصفات مثل كلمات السحر التي تؤذي من يفوه بها، إلا إذا كان قد أجاد معرفتها. فأي ساحر كريم يعلمني كلمات السحر التي أفتح بها باب النجاح! فقد طرقت الباب حتى كل ذراعي، وناديت بأعلى الصوت: افتح يا سمسم، فما فتح سمسم ولا صنوبر!
ومن أسباب الفشل في المهن، أن رئيسك أبدا يحاول أن تكون لك أربعة أرجل؛ ضعة وذلا، وأنت تأبى إلا أن يكون لك رجلان ويدان. فإن بعض الرؤساء يجد شهوة في تنفيذ أوامره، ويلتذ تعذيب مرءوسه كما يلتذ أهل نيام الزنوج شي لحوم أسراهم من البشر. إن رئاسة هؤلاء الرؤساء من حجج أهل الفوضى، ومن بواعث التذمر في صدور أهل التذمر.
الحياء والوحشة
إن الحياء من أكبر أسباب الفشل في الحياة، وهذا الحياء يعتادني إذا جالسني أو حادثني من لا أعرفه. وإذا كنت في رفقة كلهم لي صديق، غير واحد؛ صاروا كأنهم كلهم أجانب لا أعرفهم. ومن أجل ذلك صرت أستر هذا الحياء بالكبر والاحتجاز والتصلب واعتزال الناس؛ كي لا يزري بي ويخفض من شأني، فإن الحياء ينزل الرجل منزلة الصبيان الصغار، ويغطي على فضله وأدبه وعلمه. ولو شئت سردت لك من نوادر الحياء ما يوضح ذلك. ولكن ليس فريضة على صاحب الاعتراف أن يذكر كل نقائصه، هل فعل ذلك روسو أو جيتي أو شاتوبريان؟ كلا، إن النفس لا تسخو بذلك ولا تطيب، فإنها لا تقدر أن تنزع عنها غطاءها كل النزع. ومهما عظم نصيب صاحب الاعتراف من الصراحة، فلا بد أن يكون عنده من الجبن والحزم واحترام النفس ما يغريه بإخفاء كثير من نقائصه ومعانيه.
لعلك أيها القارئ قد رأيت أو سمعت بغلام صغير إذا نظرت إليه خجل، وإذا كلمته خجل، وإذا دعوته خجل! إني ما رأيت غلاما كهذا إلا أشفقت عليه مما يستقبل من حياته؛ لأن هذا الخجل الشديد هو رأس المصائب، فلا ينتفع المرء معه بحياته. وإنه لفرض على الآباء والمعلمين محو هذا الخجل، وأن يعودوا الغلام الجرأة؛ فإن الوقاحة أقل شرا من الحياء. ولا يعرف قدر المصائب التي يأتي بها هذا الخجل إلا من عالجه وعاناه، وهو أكبر عيوب التربية المنزلية عندنا.
لقد كنت في صغري كثير الحياء، وكنت أنظر إلى جرأة أترابي من الغلمان، وحسن لهجتهم، وأعجب بها وأتمنى أن أكون مثلهم. ولكني لم أعود ما عودوه من الاعتماد على أنفسهم. أذكر أن أبي زار بي صديقا له من الفرنسيين، وكنت صغير السن، وكان لصاحب البيت ابن في عمري، فجاء الغلام وصافحنا وحيانا بفصاحة وطلاقة ورشاقة أعجب بها الحاضرون، وصاروا ينظرون إلي ويضحكون من خجلي. ثم جاء الغلام ومد ذراعه إلي كي نذهب فنلعب، ولكني انزويت وراء أبي، فلم أخرج إليه إلا بعد القيل والقال. وهذه قصة توضح الفرق العظيم بين تربيتنا وتربيتهم. وكنت أخجل في صغري من الزائرين والزائرات، وأستحي من النظر إليهم أو إليهن، وبقيت متصفا بهذا الحياء حتى بعد أن عاشرت الكثير من الناس. وليس سببه الهيبة والاحترام أو الخوف، فإني لم أجد عند الناس من كبر العقل ورجاحة النفس ما يسوغ أن أخجل منهم. وليس إعجاب المرء بنفسه ولا إحساسه أنه يفضل الناس ذكاء وعلما بمانعه من الخجل منهم، إذا صارت هذه الصفة طبيعة فيه.
ومن أجل هذا الحياء صرت لا أأنس بالناس، وأحس قلقا شديدا عند رؤيتهم، فيه شيء من المقت والاحتقار، فلا أحضر مجالس الناس، ولا أتخذ صاحبا جديدا إلا في القليل النادر. ومن أجل ذلك صرت أعوذ بنفسي أن أجالس أهل الجاه والثراء، والذين لا يبالون عواطف جلسائهم. وصرت أحب الوحدة فأتجول منفردا في الأماكن الخالية، وصرت لا أحب الأماكن التي يزدحم فيها الناس، بل أبغضها كل البغض. ولا تحسب أني أجد لذة في الوحدة، بل إني أحس فيها وحشة وغربة، فأحس كأن قلبي صحراء مقفرة، ليس بها أنيس ولا رفيق. ولا تحسب أني أستميحك الشفقة بوصف هذه الوحشة والغربة، فإن رحمة الناس تقلل من احترام المرء نفسه ومن احترامهم إياه.
ناپیژندل شوی مخ