الِاعْتِقَادُ لِلْبَيْهَقِيِّ
ناپیژندل شوی مخ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أخبرنا القاضي الفقيه الإمام العالم الصدر الكبير، شيخ القضاة، بقية المشايخ، الزاهد العابد الورع، جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري أثابه الله الجنة، بقراءتي عليه في يوم الجمعة منتصف رمضان من سنة تسع وستمائة بزاوية الخضر من جامع دمشق. قلت له: أخبرك الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن سليمان المرادي قراءة عليه وأنت تسمع فأقر به، قال: أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي قلت للقاضي: وأخبرك أبو عبد الله الفراوي إجازة فأقر به قال: أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي الحافظ قراءة سنة خمسين وأبعمائة قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ كَمَا شَاءَ لِمَا شَاءَ، وَاخْتَارَ مِنَ الْخَلْقِ لِرِسَالَتِهِ وَالدُّعَاءِ لِمَعْرِفَتِهِ وَالتَّمَسُّكِ بِطَاعَتِهِ مَنْ شَاءَ، وَهَدَى إِلَى إِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ بِمَا أَقَامَ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَأَظْهَرَ مِنَ الْآيَاتِ مَنْ
1 / 31
شَاءَ، وَوَعَدَ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ مَا أَعَدَّ لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ مِنَ الثَّوَابِ كَمَا شَاءَ، وَأَوْعَدَ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ بِمَا أَعَدَّ لَهُمْ فِي النَّارِ مِنَ الْعِقَابِ كَيْفَ شَاءَ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ وَعَلَى آلِهِ: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [سورة: القصص، آية رقم: ٦٨]، وَقَالَ: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾ [سورة: الحج، آية رقم: ٧٥]، وَقَالَ: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [سورة: النساء، آية رقم: ١٦٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [سورة: النساء، آية رقم: ١٦٥]، وَقَالَ: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [سورة: يونس، آية رقم: ٢٥]، وَقَالَ: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوَا بِمَا عَمِلُوَا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوَا بِالْحُسْنَى﴾ [سورة:]، وَقَالَ: ﴿وَاتَّقُوَا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [سورة: آل عمران، آية رقم: ١٣٢]، وَقَالَ: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ [سورة: الأنعام، آية رقم: ٤٨]، فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [سورة: الأنعام، آية رقم: ٤٨] . فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى كَافَّةِ رُسُلِهِ، وَخَصَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا بِأَفْضَلِ الصَّلَاةِ وَالتَّحِيَّةِ وَالْبَرَكَةِ، وَآتَاهُ مَا وَعَدَهُ مِنَ الْوَسِيلَةِ وَالْفَضِيلَةِ وَالرِّفْعَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَبَعَثَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، وَجَمَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
1 / 32
بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ إِنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَخيْرُ الْغَافِرِينَ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي بِتَوْفِيقِ اللَّهِ ﷾ صَنَّفْتُ فِيمَا يَفْتَقِرُ أَهْلُ التَّكْلِيفِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ فِي أُصُولِ الْعِلْمِ وَفُرُوعِهِ مَا قَدِ انْتَشَرَ ذِكْرُهُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ، وَانْتَفَعَ بِهِ مَنْ وُفِّقَ لِسَمَاعِهِ وَتَحْصِيلِهِ مِنَ الْعِبَادِ، غَيْرَ أَنَّ جُلَّ مَا يُحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ ذَلِكَ لِلِاعْتِقَادِ عَلَى السَّدَادِ مُفَرَّقَةٌ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ، وَلَا يَكَادُ يَتَّفِقُ لِجَمَاعَتِهِمُ الْإِتْيَانُ عَلَى جَمْعِهَا وَالْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِهَا، فَأَرَدْتُ وَالْمَشِيئَةُ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ أَجْمَعَ كِتَابًا يَشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ اعْتِقَادُهُ وَالِاعْتِرَافُ بِهِ مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى أَطْرَافِ أَدِلَّتِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شِعَارُهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَازِ، فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ ﷿ فِي ذَلِكَ وَفِي جَمِيعِ أُمُورِي، وَابْتَدَأْتُ بِهِ مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ عَزَّ اسْمُهُ عَلَى إِتْمَامِهِ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَجْعَلَنِي وَالنَّاظِرِينَ فِيهِ مِمَّنْ يَخُصُّهُ بِجَمِيلِ إِنْعَامِهِ وَإِكْرَامِهِ، وَجَزِيلِ إِحْسَانِهِ وَامْتِنَانِهِ؛ إِنَّهُ وَلِيُّهُ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللَّهِ
1 / 33
بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ مَعْرِفَتُهُ وَالْإِقْرَارُ بِهِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: ١٩]، وَقَالَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ: ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ﴾ [الأنفال: ٤٠]، وَقَالَ: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، وَقَالَ: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ [البقرة: ١٣٦] الْآيَةَ. فَوَجَبَ بِالْآيَاتِ قَبْلَهَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمُهُ، وَوَجَبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الِاعْتِرَافُ بِهِ وَالشَّهَادَةُ لَهُ بِمَا عَرَّفَهُ. وَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ﷿ " وَرَوَاهُ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ ⦗٣٦⦘ النَّبِيِّ ﷺ، وَفِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ: «وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ»
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ﷿ " وَرَوَاهُ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ ⦗٣٦⦘ النَّبِيِّ ﷺ، وَفِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ: «وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ»
1 / 35
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِيٍّ، ثنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا قَالَ فِيهِ: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ»
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا عَفَّانُ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، ﵁ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بمَدِينَةِ السَّلَامِ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا أَبُو ⦗٣٧⦘ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي عَرِيبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» قَالَ الشَّيْخُ ﵀: فَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَدْعُوِّ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ حَتَّى يَحْقِنَ بِهِ دَمَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ وَالْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ مَعَ الْإِمْكَانِ حَتَّى يَصِحَّ إِيمَانُهُ، وَفِي الْخَبَرِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ شَرْطُ الْوَفَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ دُخُولَ الْجِنَانِ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى جَدُّهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا عَفَّانُ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، ﵁ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بمَدِينَةِ السَّلَامِ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا أَبُو ⦗٣٧⦘ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي عَرِيبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» قَالَ الشَّيْخُ ﵀: فَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَدْعُوِّ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ حَتَّى يَحْقِنَ بِهِ دَمَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ وَالْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ مَعَ الْإِمْكَانِ حَتَّى يَصِحَّ إِيمَانُهُ، وَفِي الْخَبَرِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ شَرْطُ الْوَفَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ دُخُولَ الْجِنَانِ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى جَدُّهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
1 / 36
بَابُ ذِكْرِ بَعْضِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى حُدُوثِ الَعَالَمِ، وَأَنَّ مُحْدِثَهُ وَمُدَبِّرَهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ قَدِيمٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا شَبِيهَ قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٦٤]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الصَّائِغُ، ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [البقرة: ١٦٣]، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَجِبَ الْمُشْرِكُونَ، وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ: إِنَّ إِلَهَكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [البقرة: ١٦٤]، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٦٤] قَالَ الشَّيْخُ ﵀: فَذَكَرَ اللَّهُ ﷿ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ بِمَا فِيهَا ⦗٣٩⦘ مِنَ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ الْمُسَخَّرَاتِ، وَذَكَرَ خَلْقَ الْأَرْضِ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبِحَارِ، وَالْأَنهَارِ، وَالْجِبَالِ وَالْمَعَادِنِ، وَذَكَرَ اخْتِلَافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَخْذَ أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ، وَذَكَرَ الْفُلْكَ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ، وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ الْمَطَرِ الَّذِي فِيهِ حَيَاةُ الْبِلَادِ، وَبهِ وَبِمَا وَضَعَ اللَّهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ تَعَاقُبِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ يَتِمُّ رِزْقُ الْعِبَادِ وَالْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ، وَذَكَرَ مَا بَثَّ فِي الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ مُخْتَلِفَةِ الصُّوَرِ وَالْأَجْسَادِ مُخْتَلِفَةِ الْأَلْسِنَةِ وَالْأَلْوَانِ، وَذَكَرَ تَصْرِيفَ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَا فِيهِمَا مِنْ مَنَافِعِ الْحَيَوَانَاتِ، وَمَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. ثُمَّ أَمَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى بِالنَّظَرِ فِيهِمَا، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [يونس: ١٠١] يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنَ الْآيَاتِ الْوَاضِحَاتِ وَالدَّلَالَاتِ النَّيِّرَاتِ، وَهَذَا لِأَنَّكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ هَيْئَةَ هَذَا الْعَالَمِ بِبَصَرِكَ، وَاعْتَبَرْتَهَا بِفِكْرِكَ، وَجَدْتَهُ كَالْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ الْمُعَدِّ فِيهِ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَاكِنُهُ مِنْ آلَةٍ وَعَتَادٍ، فَالسَّمَاءُ مَرْفُوعةٌ كَالسَّقْفِ، وَالْأَرْضُ مَبْسُوطَةٌ كَالْبِسَاطِ، وَالنُّجُومُ مَنْضُودَةٌ كَالْمَصَابِيحِ، وَالْجَوَاهِرُ مَخْزُونَةٌ كَالذَّخَائِرِ، وَضُرُوبُ النَّبَاتِ مُهَيَّأةٌ لِلمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَآرِبِ، وَصُنُوفُ الْحَيَوَانِ مُسَخَّرَةٌ لِلمَرَاكِبِ مُسْتَعْمَلةٌ فِي الْمَرَافِقِ، وَالْإِنْسَانُ كَالْمُمَلَّكِ لِلْبَيْتِ الْمُخَوَّلِ مَا فِيهِ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَالَمَ مَخْلُوقٌ بِتَدْبِيرٍ وَتَقْدِيرٍ وَنِظَامٍ، وَأَنَّ لَهُ صَانِعًا حَكِيمًا تَامَّ الْقُدْرَةِ بَالِغَ الْحِكْمَةِ، وَهَذَا فِيمَا قَرَأْتُهُ مِنْ كِتَابِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ ﵀ ⦗٤٠⦘ قَالَ الشَّيْخُ ﵀: ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَضَّهُمْ عَلَى النَّظَرِ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ خَلْقِهِ فِي آيَةٍ أُخْرَى فَقَالَ: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٥] يَعْنِي بِالْمَلَكُوتِ الْآيَاتِ، يَقُولُ: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِيهَا نَظَرَ تَفَكُّرٍ وَتَدَبُّرٍ؟ حَتَّى يَسْتَدِلُّوا بِكَونِهَا مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَالتَّغَيُّرَاتِ عَلَى أَنَّهَا مُحْدَثَاتٌ، وَأَنَّ الْمُحْدَثَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ صَانِعٍ يَصْنَعُهُ عَلَى هَيْئَةٍ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْمُحْدَثَاتِ، كَمَا اسْتَدَلَّ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ ﵇ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ فَانْقَطَعَ عَنْهَا كُلِّهَا إِلَى رَبٍّ هُوَ خَالِقُهَا وَمُنْشِئُهَا، فَقَالَ: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٧٩]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الصَّائِغُ، ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [البقرة: ١٦٣]، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَجِبَ الْمُشْرِكُونَ، وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ: إِنَّ إِلَهَكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [البقرة: ١٦٤]، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٦٤] قَالَ الشَّيْخُ ﵀: فَذَكَرَ اللَّهُ ﷿ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ بِمَا فِيهَا ⦗٣٩⦘ مِنَ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ الْمُسَخَّرَاتِ، وَذَكَرَ خَلْقَ الْأَرْضِ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبِحَارِ، وَالْأَنهَارِ، وَالْجِبَالِ وَالْمَعَادِنِ، وَذَكَرَ اخْتِلَافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَخْذَ أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ، وَذَكَرَ الْفُلْكَ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ، وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ الْمَطَرِ الَّذِي فِيهِ حَيَاةُ الْبِلَادِ، وَبهِ وَبِمَا وَضَعَ اللَّهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ تَعَاقُبِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ يَتِمُّ رِزْقُ الْعِبَادِ وَالْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ، وَذَكَرَ مَا بَثَّ فِي الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ مُخْتَلِفَةِ الصُّوَرِ وَالْأَجْسَادِ مُخْتَلِفَةِ الْأَلْسِنَةِ وَالْأَلْوَانِ، وَذَكَرَ تَصْرِيفَ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَا فِيهِمَا مِنْ مَنَافِعِ الْحَيَوَانَاتِ، وَمَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. ثُمَّ أَمَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى بِالنَّظَرِ فِيهِمَا، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [يونس: ١٠١] يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنَ الْآيَاتِ الْوَاضِحَاتِ وَالدَّلَالَاتِ النَّيِّرَاتِ، وَهَذَا لِأَنَّكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ هَيْئَةَ هَذَا الْعَالَمِ بِبَصَرِكَ، وَاعْتَبَرْتَهَا بِفِكْرِكَ، وَجَدْتَهُ كَالْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ الْمُعَدِّ فِيهِ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَاكِنُهُ مِنْ آلَةٍ وَعَتَادٍ، فَالسَّمَاءُ مَرْفُوعةٌ كَالسَّقْفِ، وَالْأَرْضُ مَبْسُوطَةٌ كَالْبِسَاطِ، وَالنُّجُومُ مَنْضُودَةٌ كَالْمَصَابِيحِ، وَالْجَوَاهِرُ مَخْزُونَةٌ كَالذَّخَائِرِ، وَضُرُوبُ النَّبَاتِ مُهَيَّأةٌ لِلمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَآرِبِ، وَصُنُوفُ الْحَيَوَانِ مُسَخَّرَةٌ لِلمَرَاكِبِ مُسْتَعْمَلةٌ فِي الْمَرَافِقِ، وَالْإِنْسَانُ كَالْمُمَلَّكِ لِلْبَيْتِ الْمُخَوَّلِ مَا فِيهِ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَالَمَ مَخْلُوقٌ بِتَدْبِيرٍ وَتَقْدِيرٍ وَنِظَامٍ، وَأَنَّ لَهُ صَانِعًا حَكِيمًا تَامَّ الْقُدْرَةِ بَالِغَ الْحِكْمَةِ، وَهَذَا فِيمَا قَرَأْتُهُ مِنْ كِتَابِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ ﵀ ⦗٤٠⦘ قَالَ الشَّيْخُ ﵀: ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَضَّهُمْ عَلَى النَّظَرِ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ خَلْقِهِ فِي آيَةٍ أُخْرَى فَقَالَ: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٥] يَعْنِي بِالْمَلَكُوتِ الْآيَاتِ، يَقُولُ: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِيهَا نَظَرَ تَفَكُّرٍ وَتَدَبُّرٍ؟ حَتَّى يَسْتَدِلُّوا بِكَونِهَا مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَالتَّغَيُّرَاتِ عَلَى أَنَّهَا مُحْدَثَاتٌ، وَأَنَّ الْمُحْدَثَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ صَانِعٍ يَصْنَعُهُ عَلَى هَيْئَةٍ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْمُحْدَثَاتِ، كَمَا اسْتَدَلَّ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ ﵇ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ فَانْقَطَعَ عَنْهَا كُلِّهَا إِلَى رَبٍّ هُوَ خَالِقُهَا وَمُنْشِئُهَا، فَقَالَ: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٧٩]
1 / 38
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِميُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ﷿: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأنعام: ٧٥]، يَعْنِي بِهِ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ، لَمَّا رَأَى ﴿كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٦]، حَتَّى غَابَ، فَلَمَّا غَابَ قَالَ: ﴿لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٧]، حَتَّى غَابَ، فَلَمَّا غَابَ قَالَ: ﴿لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾ [الأنعام: ٧٧]، ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ﴾ [الأنعام: ٧٨]، حَتَّى غَابَتْ، فَلَمَّا غَابَتْ ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [الأنعام: ٧٨] الْآيَةَ قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ ﵀: وَحَثَّهُمْ عَلَى النَّظَرِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَالتَّفَكُّرِ فيهَا، فَقَالَ: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: ٢١]، يَعْنِي لِمَا فِيهَا مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى آثَارِ الصَّنْعَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْإِنْسَانِ مِنْ يَدَيْنِ يَبْطُشُ بِهِمَا، وَرِجْلَيْنِ يَمْشِي عَلَيْهِمَا، وَعَيْنٍ يُبْصِرُ بِهَا، وَأُذُنٍ يَسْمَعُ بِهَا، وَلِسَانٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَأَضْرَاسٍ تَحْدُثُ لَهُ عِنْدَ غِنَاهُ عَنِ الرِّضَاعِ، وَحَاجَتِهِ إِلَى الْغِذَاءِ يَطْحَنُ بِهَا الطَّعَامَ، وَمَعِدَةٍ أُعِدَّتْ لِطَبْخِ الْغِذَاءِ، وَكَبِدٍ يَسْلُكُ إِلَيْهَا صَفْوُهُ، وَعُرُوقٍ وَمَعَابِرَ تنْفُذُ فيهَا إِلَى الْأَطْرَافِ، وَأَمْعَاءٍ يُرَسَّبُ إِلَيْهَا تَفْلُ الْغِذَاءِ، وَيَبْرُزُ عَنْ أَسْفَلِ الْبَدَنِ، فَيُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى أَنَّ لَهَا صَانِعًا حَكِيمًا عَالِمًا قَدِيرًا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُرْتَفِعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: ٢١]، قَالَ: سَبِيلُ الْخَلَاءِ وَالْبَوْلِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُرْتَفِعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: ٢١]، قَالَ: سَبِيلُ الْخَلَاءِ وَالْبَوْلِ
1 / 41
وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَدِيبُ، ثنا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا الْأَصْمَعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ السَّمَّاكِ، يَقُولُ لِرَجُلٍ: تَبَارَكَ مَنْ خَلَقَكَ فَجَعَلَكَ تُبْصِرُ بِشَحْمٍ، وَتَسْمَعُ بِعَظْمٍ، وَتَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ. قُلْنَا: ثُمَّ إِنَّا رأَيْنَا أَشْيَاءَ مُتَضَادَّةً مِنْ شَأَنِهَا التنَافُرُ وَالتَّبَايُنُ وَالتَّفَاسُدُ مَجْمُوعةً فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَأَبْدَانِ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَهِيَ الْحَرَارَةُ وَالْبُرُودَةُ، وَالرُّطُوبَةُ وَالْيُبُوسَةُ، فَقُلْنَا: إِنَّ جَامِعًا جَمَعَهَا وَقَهَرَهَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَأَقَامَهَا بِلُطْفِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَنَافَرَتْ وَلَتَفَاسَدَتْ، وَلَوْ جَازَ أَنْ تَجْتَمِعَ الْمُتَضَادَّاتُ، وَالْمُتَنَافِرَاتُ، وَتَتَقَاوَمَ مِنْ غَيْرِ جَامِعٍ يَجْمَعُهَا لَجَازَ أَنْ يَجْتَمِعَ الْمَاءُ وَالنَّارُ، وَيَتَقَاوَمَا مِنْ ذَاتِهِمَا مِنْ غَيْرِ جَامِعٍ يَجْمَعُهَا وَمُقِيمٍ يُقِيمُهَا، وَهَذَا مُحَالٌ لَا يُتَوَهَّمُ، فَثَبَتَ أَنَّ اجْتِمَاعَهَا إِنَّمَا كَانَ بِجَامِعٍ قَهَرَهَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَالِالْتِئَامِ وَهُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ ﵀ أَنَّهُ احْتَجَّ بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى حِينَ سَأَلَهُ الْمُرَيْسِيُّ عَنْ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ فِي مَجْلِسِ الرَّشِيدِ، وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِالْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَبَاختلَافِ الْأَصْوَاتِ، قُلْنَا: وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ تَحَوُّلَ أَنْفُسِنَا مِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ وَتَغَيُّرَهَا؛ لِيُسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى خَالِقِهَا وَمُحَوِّلِهَا، فَقَالَ: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ [نوح: ١٤]، وَقَالَ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ ⦗٤٣⦘ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ﴾ [المؤمنون: ١٢]، فَالْإِنْسَانُ إِذَا فَكَّرَ فِي نَفْسِهِ رَآهَا مُدَبَّرَةً، وَعَلَى أَحْوَالٍ شَتَّى مُصَرَّفَةً، كَانَ نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ لَحْمًا وَعَظْمًا، فَيَعْلَمُ أَنَّهُ لِمْ يَنْقِلْ نَفْسَهُ منْ حَالِ النَّقْصِ إِلَى حَالِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُحْدِثَ لِنَفْسِهِ فِي الْحَالِ الْأَفْضَلِ الَّتِي هِيَ كَمَالُ عَقْلِهِ وَبُلُوغُ أَشُدِّهِ عُضْوًا مِنَ الْأَعْضَاءِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَزِيدَ فِي جَوَارِحِهِ جَارِحَةً، فَيَدُلُّهُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ نَقْصِهِ وَأَوَانِ ضَعْفِهِ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ أَعْجَزُ، وَقَدْ يَرَى نَفْسَهُ شَابًّا ثُمَّ كَهْلًا ثُمَّ شَيْخًا، وَهُوَ لَمْ يَنْقُلْ نَفْسَهُ مِنْ حَالِ الشَّبَابِ وَالْقُوَّةِ إِلَى الشَّيْخُوخَةِ وَالْهَرَمِ، وَلَا اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ وَلَا فِي وُسْعِهِ أَنْ يُزَايِلَ حَالَ الْمَشِيبِ وَيُرَاجِعَ قُوَّةَ الشَّبَابِ، فَيَعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ بِنَفْسِهِ، وَأَنَّ لَهُ صَانِعًا صَنَعَهُ، وَنَاقِلًا نَقَلَهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لِمْ تَتَبَدَّلْ أَحْوَالُهُ بِلَا نَاقِلٍ وَلَا مُدَبِّرٍ، ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْفِعْلُ الْمُحْكَمُ الْمُتْقَنُ وَلَا يُوجَدُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ مِمَّنْ لَا حَيَاةَ لَهُ، وَلَا عِلْمَ، وَلَا قُدْرَةَ، وَلَا إِرَادَةَ، وَلَا سَمْعَ، وَلَا بَصَرَ، وَلَا كَلَامَ. فَيَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ صَانِعَهُ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ مُرِيدٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مُتَكَلِّمٌ، ثُمَّ يَعْلَمُ اسْتِغْنَاءَ الْمصْنُوعِ بِصَانِعٍ وَاحِدٍ، وَعُلُوَّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَمَا يَدْخُلُ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْخَلْقِ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ، فَيَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ كَمَا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا ⦗٤٤⦘ يُشْرِكُونَ﴾ [المؤمنون: ٩١]، وَقَالَ: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٢]، ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّ صَانِعَ الْعَالَمِ لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنَ الْعَالَمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَشْبَهَ شيْئًا مِنَ الْمُحْدَثَاتِ بِجِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ لَأَشْبَهَهُ فِي الْحُدُوثِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْقَدِيمُ مُحْدَثًا، أَوْ يَكُونَ قَدِيمًا مِنْ جِهَةٍ حَدِيثًا مِنْ جِهَةٍ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ يَفْعَلُ مِثْلَهُ، كَالشَّاتِمِ لَا يَكُونُ شَتْمًا وَقَدْ فَعَلَ الشَّتْمَ، وَالْكَاذِبُ لَا يَكُونُ كَذِبًا وَقَدْ فَعَلَ الْكَذِبَ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ شَيْئَانِ مِثْلَيْنِ يَفْعَلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ الْمِثْلَيْنِ بِأَنْ يَفْعَلَ صَاحِبَهُ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَزِيَّةٌ يَسْتَحِقُّ لِأَجْلِهَا أَنْ يَكُونَ مُحْدِثًا لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ الْمِثْلَيْنِ فِيمَا تَمَاثَلَا فِيهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ مُشْبِهًا لِلْأَشْيَاءِ، فهُوَ كَمَا وَصَفَ نفْسَهُ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]، وَقَالَ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١]
1 / 42
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَا: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ الْمُشْرِكِينَ، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﵎ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص: ٢]؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلَا سَيُوَرَّثُ، وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ لَا يَمُوتُ وَلَا يُوَرَّثُ، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤]، لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلَا عِدْلٌ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١]
1 / 44
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ﷿: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [النحل: ٦٠]، قَالَ: يَقُولُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥]، يَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُ لِلرَّبِّ مَثَلًا أَوْ شَبِيهًا؟ قُلْنَا: وَقَدْ سَلَكَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ فِي إِثْبَاتِ الصَّانِعِ، وَحُدُوثِ الْعَالَمِ طَرِيقَ الِاسْتِدلَالِ بِمُقَدِّمَاتِ النُّبُوَّةِ، وَمُعْجِزَاتِ الرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّ دَلَائِلَهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ طَرِيقِ الْحِسِّ لِمَنْ شَاهَدَهَا، وَمِنْ طَرِيقِ استِفَاضَةِ الْخَبَرِ لِمَنْ غَابَ عَنْهَا، فَلَمَّا ثَبَتَتِ النُّبُوَّةُ صَارَتْ أَصْلًا فِي وُجُوبِ قَبُولِ مَا دَعَا إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ إِيمَانُ أَكْثَرِ الْمُسْتَجِيبِينَ ⦗٤٦⦘ لِلرُّسِلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ
1 / 45
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ ﵀، أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَصُلْبُ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا فُتِنَ أَصْحَابُهُ بِمَكَّةَ أَشَارَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَلْحَقُوا بأَرْضِ الْحَبَشَةِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: فَكَلَّمَهُ جَعْفَرٌ ﵁، يَعْنِي النَّجَاشِيَّ، فَقَالَ: كُنَّا عَلَى دِينِهِمْ، يَعْنِي عَلَى دِينِ أَهْلِ مَكَّةَ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ ﷿ فِينَا رَسُولًا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَا إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكَ بِهِ شيْئًا، وَنَخْلَعَ مَا يَعْبُدُ قَوْمُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ دُونِهِ، وَأَمَرَنَا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَكُلِّ مَا يُعْرَفُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ، فَتَلَا عَلَيْنَا تَنْزِيلًا جَاءَهُ مِنَ اللَّهِ ﷿، لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ، فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ، وَعَرَفْنَا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﷿، فَفَارَقْنَا عِنْدَ ذَلِكَ قَوْمَنَا وَآذَوْنَا، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكُمْ مِمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ تَقْرَءُونَهُ عَلَيَّ؟ قَالَ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَرَأَ كهيعص. فَلَمَّا قَرَأَهَا بَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ، وَقَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ وَالْكَلَامَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى ﵇ لَيَخْرُجَانِ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ ⦗٤٧⦘ قُلْنَا: فهَؤُلَاءِ مَعَ النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ اسْتَدَلُّوا بِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ ﷺ فيمَا ادَّعَاهُ مِنَ الرِّسَالَةِ، فَاكْتَفَوْا بِهِ وَآمَنُوا بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَكَانَ فِيمَا جَاءَ بِهِ إِثْبَاتُ الصَّانِعِ وَحُدُوثُ الْعَالَمِ
1 / 46
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَأْتِيَهُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَيَسأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «صَدَقْتَ»، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَال: «اللَّهُ»، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ قَالَ: «اللَّهُ»، قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ؟ قَالَ: «اللَّهُ»، قَالَ: فَمَنْ جَعَلَ فِيهَا هَذِهِ الْمَنَافِعَ؟ قَالَ: «اللَّهُ»، قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، وَنَصَبَ الْجِبَالَ، وَجَعَلَ فِيهَا هَذِهِ الْمَنَافِعَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا؟ قَالَ: «صَدَقَ»، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَدَقَةً فِي أَمْوَالِنَا، قَالَ: «صَدَقَ»، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرٍ فِي سَنَتِنَا، قَالَ: «صَدَقَ»، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ: «صَدَقَ»، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلَا أَنْقُصُ مِنْهِنَّ، فَلَمَّا مَضَى قَالَ: «لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ» ⦗٤٨⦘ قَالَ الشَّيْخُ ﵀: فَهَذَا السَّائِلُ كَانَ قَدْ سَمِعَ بِمُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَكَانَتْ مُسْتَفِيضَةً فِي زَمَانِهِ، وَلَعَلَّهُ أَيْضًا مَا كَانَ يَتْلُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ فَاقْتَصَرَ فِي إِثْبَاتِ الْخَالِقِ وَمَعْرِفَةِ خَلْقِهِ عَلَى سُؤَالِهِ وَجَوَابِهِ عَنْهُ، وَقَدْ طَالَبَهُ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى مُعْجِزاتِهِ بِأَنْ يُرِيَهُ مِنْ آيَاتِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، فَلَمَّا أَرَاهُ وَوَقَفَهُ عَلَيْهِ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﷿
1 / 47
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، َثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، َثَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّفَّاءُ، أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، َثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: بِمَ أَعْرِفُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَا الْعِذْقَ، فَجَعَلَ الْعِذْقُ يَنْزِلُ مِنَ النَّخْلَةِ حَتَّى سَقَطَ فِي الْأَرْضِ، فَجَعَلَ يَنْقَزُّ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ ﷺ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ لَهُ: «ارْجِعْ»، فَرَجَعَ حَتَّى عَادَ إِلَى مَكَانِهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَآمَنَ بِهِ تَابَعَهُ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، وَرَوَاهُ أَبُو حَيَّانَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمَعْنَاهُ
1 / 48
بَابُ ذِكْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفاتِهِ عَزَّتْ أَسْمَاؤُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٠]، وَقَالَ: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّامَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾، وَقَالَ: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [الحشر: ٢٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه: ٨]
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مِحْمَشٍ الْفَقِيهُ ﵀، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا، مِائَةٌ إِلَّا ⦗٥٠⦘ وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مِحْمَشٍ الْفَقِيهُ ﵀، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا، مِائَةٌ إِلَّا ⦗٥٠⦘ وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»
1 / 49
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ الْكَرَابِيسِيُّ، ثنا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، الْمَلِكُ، الْقُدُّوسُ، السَّلَامُ، الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ، الْعَزِيزُ، الْجَبَّارُ، الْمُتَكَبِّرُ، الْخَالِقُ، الْبَارِئُ، الْمُصَوِّرُ، الْغَفَّارُ، الْقَهَّارُ، الْوَهَّابُ، الرَّزَّاقُ، الْفَتَّاحُ، الْعَلِيمُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الْخَافِضُ، الرَّافِعُ، الْمُعِزُّ، الْمُذِلُّ، السَّمِيعُ، الْبَصِيرُ، الْحَكَمُ، الْعَدْلُ، اللَّطِيفُ، الْخَبِيرُ، الْحَلِيمُ، الْعَظِيمُ، الْغَفُورُ، الشَّكُورُ، الْعَلِيُّ، الْكَبِيرُ، الْحَفِيظُ، الْمُقِيتُ، الْحَسِيبُ، الْجَلِيلُ، الْكَرِيمُ، الرَّقِيبُ، الْمُجِيبُ، الْوَاسِعُ، الْحَكِيمُ، الْوَدُودُ، الْمَجِيدُ، الْبَاعِثُ، الشَّهِيدُ، الْحَقُّ، الْوَكِيلُ، الْقَوِيُّ، الْمَتِينُ، الْوَلِيُّ، الْحَمِيدُ، الْمُحْصِي، الْمُبْدِئُ، الْمُعِيدُ، الْمُحْيِي، الْمُمِيتُ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ، الْوَاجِدُ، الْمَاجِدُ، الْوَاحِدُ، الصَّمَدُ، الْقَادِرُ الْمُقْتَدِرُ، الْمُقَدِّمُ، الْمُؤَخِّرُ، الْأَوَّلُ، الْآخِرُ، الظَّاهِرُ، الْبَاطِنُ، الْوَالِي، الْمُتعَالِ، الْبَرُّ، التَّوَّابُ، الْمُنْتَقِمُ، الْعَفُوُّ، الرَّءُوفُ، مَالِكُ الْمُلْكِ، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، الْمُقْسِطُ، الْجَامِعُ، الْغَنِيُّ، الْمُغْنِي، الْمَانِعُ، الضَّارُّ ⦗٥١⦘، النَّافِعُ، النُّورُ، الْهَادِي، الْبَدِيعُ، الْبَاقِي، الْوَارِثُ، الرَّشِيدُ، الصَّبُورُ
1 / 50
وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ ﵀، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحُصَيْنِ، ثنا أَيُّوبُ، وَهِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا كُلَّهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ: اللَّهُ، الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، الْإِلَهُ، الرَّبُّ، الْمَلِكُ، الْقُدُّوسُ، السَّلَامُ، الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ، الْعَزِيزُ، الْجَبَّارُ، الْمُتَكَبِّرُ، الْخَالِقُ، الْبَارِئُ، الْمُصَوِّرُ، الْحَلِيمُ، الْعَلِيمُ، السَّمِيعُ، الْبَصِيرُ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ، الْوَاسِعُ، اللَّطِيفُ، الْخَبِيرُ، الْحَنَّانُ، الْمَنَّانُ، الْبَدِيعُ، الْوَدُودُ، الْغَفُورُ، الشَّكُورُ، الْمَجِيدُ، الْمُبْدِئُ، الْمُعِيدُ، النُّورُ، الْبَادِي، الْأَوَّلُ، الْآخِرُ، الظَّاهِرُ، الْبَاطِنُ، الْعَفُوُّ، الْغَفَّارُ، الْوَهَّابُ، الْقَادِرُ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الْوَكِيلُ، الْكَافِي، الْبَاقِي، الْحَمِيدُ، الْمُغِيثُ، الدَّائِمُ، الْمُتَعَالِي، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، الْمَوْلَى، النَّصِيرُ، الْحَقُّ، الْمُبِينُ، الْبَاعِثُ، الْمُجِيبُ، الْمُحْيِي، الْمُمِيتُ، الْجَلِيلُ، الصَّادِقُ، الْحَافِظُ، الْمُحِيطُ، الْكَبِيرُ، الْقَرِيبُ، الرَّقِيبُ، الْفَتَّاحُ، التَّوَّابُ، الْقَدِيمُ، الْوِتْرُ، الْفَاطِرُ، الرَّزَّاقُ، الْعَلَّامُ، الْعَلِيُّ، الْعَظِيمُ، الْغَنِيُّ، الْمَلِيكُ، الْمُقْتَدِرُ، الْأَكْرَمُ، الرَّءُوفُ، الْمُدَبِّرُ، الْقَدِيرُ، الْمَالِكُ، الْقَاهِرُ، الْهَادِي، الشَّاكِرُ ⦗٥٢⦘، الْكَرِيمُ، الرَّفِيعُ، الشَّهِيدُ، الْوَاحِدُ، ذُو الطَّوْلِ، ذُو الْمَعَارِجِ، ذُو الْفَضْلِ، الْخَلَّاقُ، الْكَفِيلُ، الْجَمِيلُ " قَالَ الشَّيْخُ ﵀: تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى مَعَ ذِكْرِ الْأَسَامِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَتَفَرَّدَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحُصَيْنِ بْنِ التَّرْجُمَانِ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَزعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ ذِكْرَ الْأَسَامِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي ذِكْرِ عدَدِهَا دُونَ تَفْسِيرِ الْعَدَدِ، وَهَذِهِ الْأَسَامِي مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﷿، وَفِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ عَنْ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ مُفْرَدَةً نصًّا أَوْ دَلَالَةً، فَذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَقَوْلُهُ ﷺ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا» لَا يَنْفِي غَيْرَهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَنْ أَحْصَى مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ ⦗٥٣⦘ وَجَلَّ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، سَوَاءً أَحْصَاهَا مِمَّا نَقَلْنَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، أَوْ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي، أَوْ مِنْ سَائِرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ أَوِ الْإِجْمَاعُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
1 / 51
بَابُ ذِكْرِ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَلَى طَرِيقِ الْإِيجَازِ اللَّهُ: مَعْنَاهُ مَنْ لَهُ الْإِلَهِيَّةُ، وَهِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى اخْتِرَاعِ الْأَعْيَانِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الرَّحْمَنُ: مَنْ لَهُ الرَّحْمَةُ. الرَّحِيمُ: الرَّاحِمُ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَقِيلَ: الرَّحْمَنُ الْمُرِيدُ لِرِزْقِ كُلِّ حَيٍّ فِي الدُّنْيَا، وَالرَّحِيمُ الْمُرِيدُ لِإِكْرَامِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ فِي الْعُقْبَى، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى صِفَةِ الْإِرَادَةِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ. الْمَلِكُ: هُوَ التَّامُّ الْمُلْكِ، وَالْمَالِكُ: هُوَ الْخَاصُّ الْمُلْكِ، وَحَقِيقَتُهُمَا فِي صِفَةِ اللَّهِ ﷿ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْإِيجَادِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْقُدُّوسُ: هُوَ الطَّاهِرُ مِنَ الْعُيُوبِ، الْمُنَزَّهُ عَنِ الْأَوْلَادِ وَالْأَنْدَادِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. السَّلَامُ: هُوَ الَّذِي سَلِمَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَبَرِئَ مِنْ كُلِّ آفَةٍ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي سَلِمَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ عُقُوبَتِهِ. الْمُؤْمِنُ: هُوَ الَّذِي صَدَّقَ نَفْسَهُ، وَصَدَّقَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَصْدِيقُهُ لِنَفْسِهِ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ، وَتَصْدِيقُهُ لِعِبَادِهِ عِلْمُهُ بأَنَّهُمْ صَادِقُونَ، وَقِيلَ: الْمُؤْمِنُ الْمُوَحِّدُ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَقِيلَ: الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُؤَمِّنُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عُقوبَتِهِ. الْمُهَيْمِنُ: هُوَ الشَّهِيدُ عَلَى خَلْقِهِ بِمَا يَكُونُ مِنْهُمْ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْأَمِينُ، وَقِيلَ: هُوَ الرَّقِيبُ عَلَى الشَّيْءِ وَالْحَافِظُ لَهُ. الْعَزِيزُ: هُوَ الْغَالِبُ الَّذِي لَا يُغْلَبُ، وَالْمَنِيعُ الَّذِي لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْقَادِرُ الْقَوِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ. الْجَبَّارُ: هُوَ الَّذِي لَا تَنَالُهُ الْأَيْدِي، وَلَا يَجْرِي فِي مُلْكِهِ غَيْرُ مَا أَرَادَ، وَهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي جَبَرَ الْخَلْقَ عَلَى مَا أَرَادَ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي جَبَرَ مَفَاقِرَ الْخَلْقِ، وَهُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ. الْمُتَكَبِّرُ: هُوَ الْمُتَعَالِي عَنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَتَكَبَّرُ عَلَى عُتَاةِ خَلْقِهِ إِذَا نَازَعُوهُ الْعَظَمَةَ فَيَقْصِمُهُمْ. الْخَالِقُ: هُوَ الْمُبْدِعُ الْمُخْتَرِعُ لِلْخَلْقِ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ. الْبَارِئُ: هُوَ الْخَالِقُ، وَلهُ اخْتِصَاصٌ بِقَلْبِ الْأَعْيَانِ. الْمُصَوِّرُ: هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ خَلْقَهُ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ. الْغَفَّارُ: هُوَ السَّتَّارُ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. الْقَهَّارُ: هُوَ الْقَاهِرُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَهُوَ الْقَادِرُ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي قَهَرَ الْخَلْقَ عَلَى مَا أَرَادَ. الْوَهَّابُ: هُوَ الَّذِي يَجُودُ بِالْعَطَاءِ الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ استِثَابَةٍ. الرَّزَّاقُ: هُوَ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا يُقِيمُهَا مِنْ قُوتِهَا، وَمَا مَكَّنَهَا مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ مُبَاحٍ وَغَيْرِ مُبَاحٍ رُزِقَ لَهَا. الْفَتَّاحُ: هُوَ الْحَاكِمُ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَيَكُونُ الْفَتَّاحُ الَّذِي يَفْتَحُ الْمُنْغَلِقَ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ أُمُورِهِمْ دِينًا وَدُنْيَا، وَيَكُونُ بِمَعْنَى النَّاصِرِ. الْعَلِيمُ: هُوَ الْعَالِمُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَالْعِلْمُ صِفَةٌ لَهُ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ. الْقَابِضُ الْبَاسِطُ: هُوَ الَّذِي يُوَسِّعُ الرِّزْقَ وَيُقَتِّرُهُ، يَبْسُطُهُ بِجُودِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَيَقْبِضُهُ بِحِكْمَتِهِ، وَقِيلَ: الْقَابِضُ الَّذِي يَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ بِالْمَوْتِ الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى الْعِبَادِ، وَالْبَاسِطُ الَّذِي يَبْسُطُ الْأَرْوَاحَ فِي الْأَجْسَادِ. الْخَافِضُ الرَّافِعُ: فَالْخَافِضُ هُوَ الَّذِي يَخْفِضُ مَنْ يَشَاءُ بَانْتِقَامِهِ، وَالرَّافِعُ هُوَ الَّذِي يَرْفَعُ مَنْ يَشَاءُ بِإِنْعَامِهِ. الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ: يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، لَا مُذِلَّ لِمَنْ أَعَزَّهُ، وَلَا مُعِزَّ لِمَنْ أَذَلَّهُ. السَّمِيعُ: مَنْ لَهْ سَمْعٌ يُدْرِكُ بِهِ الْمَسْمُوعَاتِ، وَالسَّمْعُ لَهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ. الْبَصِيرُ: مَنْ لَهُ بَصَرٌ يَرَى بِهِ الْمَرْئِيَّاتِ، وَالْبَصَرُ لَهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ. الْحَكَمُ: هُوَ الْحَاكِمُ، وَحُكْمُهُ خَبَرُهُ، وَخَبَرُهُ قوْلُهُ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْكَلَامِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى حُكْمِهِ لِوَاحِدٍ بِالنِّعْمَةِ وَلْآخَرَ بِالْمِحْنَةِ، فيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ. الْعَدْلُ: هُوَ الَّذِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. اللَّطِيفُ: هُوَ الْبَرُّ بِعِبَادِهِ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْعَالِمِ بِخَفَايَا الْأُمُورِ، فيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ. الْخَبِيرُ: هُوَ الْعَالِمُ بِكُنْهِ الشَّيْءِ، الْمُطَّلِعُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَقِيلَ: الْخَبِيرُ الْمُخْبِرُ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ. الْحَلِيمُ: وَهُوَ الَّذِي يُؤَخِّرُ الْعُقُوبَةَ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، ثُمَّ قَدْ يَعْفُو عَنْهُمْ. الْعَظِيمُ: هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِأَوْصَافِ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ، وَالْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ، وَالتَّقْدِيسِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ، وَهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْغَفُورُ: هُوَ الَّذِي يُكْثِرُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ. الشَّكُورُ: هُوَ الَّذِي يَشْكُرُ الْيَسِيرَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَيُعْطِي عَلَيْهِ الْكَثِيرَ مِنَ الْمَثُوبَةِ، وَشُكْرُهُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى ثَنَائِهِ عَلَى عَبْدِهِ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْكَلَامِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ. الْعَلِيُّ: هُوَ الْعَالِي الْقَاهِرُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي عَلَا وَجَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهُ صِفَاتُ الْخَلْقِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْكَبِيرُ: هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالْجَلَالِ وَكِبَرِ الشَّأْنِ، فَصَغُرَ دُونَ جَلَالِهِ كُلُّ كَبِيرٍ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي كَبُرَ عَنْ شَبَهِ الْمَخْلُوقِينَ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْحَفِيظُ: هُوَ الْحَافِظُ لِكُلِّ مَا أَرَادَ حِفْظَهُ وَمَنْ أَرَادَ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يَنْسَى مَا عَلِمَ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْعِلْمِ. الْمُقِيتُ: هُوَ الْمُقْتَدِرُ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ، وَقِيلَ: الْمُقِيتُ الْحَفِيظُ، وَقِيلَ: هُوَ مُعْطِي الْقُوتِ، فيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ. الْحَسِيبُ: هُوَ الْكَافِي، وَقِيلَ: بِمَعْنَى الْمُحَاسِبِ. الْجَلِيلُ: هُوَ مِنَ الَجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ، وَمَعْنَاهُ ينْصَرِفُ إِلَى جَلَالِ الْقُدْرَةِ وَعِظَمِ الشَّأْنِ، فهُوَ الْجَلِيلُ الَّذِي يَصْغُرُ دُونَهُ كُلُّ جَلِيلٍ، وَيَتَّضِعُ مَعَهُ كُلُّ رَفِيعٍ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْكَرِيمُ: هُوَ الْمُنَزَّهُ عَنِ الدَّنَاءَةِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ، وَقِيلَ: الْكَرِيمُ الْكَثِيرُ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: الْمُحْسِنُ بِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَالصَّفُوحُ عَنْ حَقٍّ وَجَبَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ. الرَّقِيبُ: هُوَ الْحَافِظُ الَّذِي لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْعِلْمِ. الْمُجِيبُ: هُوَ الَّذِي يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، وَيُغِيثُ الْمَلْهُوفَ إِذَا نَادَاهُ. الْوَاسِعُ: هُوَ الْعَالِمُ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: الْغَنِيُّ الَّذِي وَسِعَ غِنَاهُ مَفَاقِرَ الْخَلْقِ. الْحَكِيمُ: هُوَ الْمُحْكِمُ لِخَلْقِ الْأَشْيَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمُصِيبِ فِي أَفْعَالِهِ. الْوَدُودُ: هُوَ الَّذِي يَوَدُّ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَوَدُّهُ عِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ، وَمَحَبَّةُ اللَّهِ عِبَادَهُ إِرَادَتُهُ رَحْمَتَهُمْ وَمَدْحَهُمْ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى إِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ، وَمِنْ إِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يُوِدِّدَهُمْ إِلَى خَلْقِهِ، وَهُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ. الْمَجِيدُ: هُوَ الْجَلِيلُ الرَّفِيعُ الْقَدْرِ، الْمُحْسِنُ الْجَزِيلُ الْبِرِّ، فَالْمَجْدُ فِي اللُّغَةِ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الشَّرَفِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى السَّعَةِ، وَهُوَ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْبَاعِثُ: هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ عِبَادَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلْجَزَاءِ، وَقَدْ يَبْعَثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ عِنْدَ السَّقْطَةِ، وَيُنْعِشُهُ عِنْدَ الصَّرْعَةِ. الشَّهِيدُ: هُوَ الَّذِي لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ: هُوَ الْعَالِمُ الرَّائِي، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْعِلْمِ وَصِفَةِ الرُّؤْيَةِ. الْحَقُّ: هُوَ الْمَوْجُودُ حَقًّا، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْوَكِيلُ: هُوَ الْكَافِي وَهُوَ الَّذِي يَسْتَقِلُّ بِالْأَمْرِ الْمَوْكُولِ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْكَفِيلُ بِالرِّزْقِ وَالْقِيَامِ عَلَى الْخَلْقِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ. الْقَوِيُّ: هُوَ الْقَادِرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَامَّ الْقُدْرَةِ لَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ عَجْزٌ فِي حَالَةٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ. الْمَتِينُ: هُوَ الشَّدِيدُ الْقُوَّةِ الَّذِي لَا تَنْقَطِعُ قُوَّتُهُ، وَلَا يَمَسُّهُ فِي أَفْعَالِهِ لُغُوبٌ، وَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ أَيْضًا إِلَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ. الْوَلِيُّ: هُوَ النَّاصِرُ، وَقِيلَ: الْمُتَوَلِّي لِلْأَمْرِ وَالْقَائِمُ بِهِ. الْحَمِيدُ: هُوَ الْمَحْمُودُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ، وَقِيلَ: مَنْ لَهُ صِفَاتُ الْمَدْحِ وَالْكَمَالِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْمُحْصِي: هُوَ الَّذِي أَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ بِعِلْمِهِ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْعِلْمِ. الْمُبْدِئُ: هُوَ الَّذِي أَبْدَأَ الْإِنْسَانَ، أَيِ ابْتَدَأَهُ مُخْتَرِعًا. الْمُعِيدُ: هُوَ الَّذِي يُعِيدُ الْخَلْقَ بَعْدَ الْحَيَاةِ إِلَى الْمَمَاتِ، ثُمَّ يُعِيدُهُمْ بَعْدَ الْمَمَاتِ إِلَى الْحَيَاةِ. الْمُحْيِي: هُوَ الَّذِي يُحْيِي النُّطْفَةَ الْمَيِّتَةَ فَيُخْرِجُ مِنْهَا النَّسَمَةَ الْحَيَّةَ، وَيُحْيِي الْأَجْسَامَ الْبَالِيَةَ بإِعَادَةِ الْأَرْوَاحِ إِلَيْهَا عِنْدَ الْبَعْثِ، وَيُحْيِي الْقُلُوبَ بِنُورِ الْمَعْرِفَةِ، وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا بإِنْزَالِ الْغَيْثِ وَإِنْبَاتِ الرِّزْقِ. الْمُمِيتُ: هُوَ الَّذِي يُمِيتُ الْأَحْيَاءَ، وَيُوهِنُ بِالْمَوْتِ قُوَّةَ الْأَقْوِيَاءِ. الْحَيُّ فِي صِفَةِ اللَّهِ ﷿: هُوَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا، وَبِالْحَيَاةِ مَوْصُوفًا، فَالْحَيَاةُ لَهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ. الْقَيُّومُ: هُوَ الْقَائِمُ الدَّائِمُ بِلَا زَوَالٍ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْبَقَاءِ، وَالْبَقَاءُ صِفَةُ الذَّاتِ، وَقِيلَ: هُوَ الْمُدَبِّرُ وَالْمُتَوَلِّي لِجَمِيعِ مَا يَجْرِي فِي الْعَالَمِ، وَهُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ. الْوَاجِدُ: هُوَ الْغَنِيُّ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ، وَالْوَجْدُ الْغِنَى، وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْوُجُودِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَؤُودُهُ طَلَبٌ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَطْلُوبِ هَرَبٌ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْعَالِمِ. الْمَاجِدُ: هُوَ الْمَجِيدُ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ مَعْنَاهُ. الْوَاحِدُ: هُوَ الْفَرْدُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَحْدَهُ بِلَا شَرِيكٍ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا قَسِيمَ لِذَاتِهِ، وَلَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا شَرِيكَ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الصَّمَدُ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي يُصْمَدُ إِلَيْهِ فِي الْأُمُورِ، وَيُقْصَدُ فِي الْحَوَائِجِ، وَقِيلَ: هُوَ الْبَاقِي الَّذِي لَا يَزُولُ، وَهُوَ منْ صِفَاتِ الذَّاتِ. الْقَادِرُ: هُوَ الَّذِي لَهُ الْقُدْرَةُ الشَّامِلَةُ، وَالْقُدْرَةُ لَهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ. الْمُقْتَدِرُ: هُوَ التَّامُّ الْقُدْرَةِ، الَّذِي لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. الْمُقَدِّمُ وَالْمُؤَخِّرُ: هُوَ الْمُنَزِّلُ الْأَشْيَاءَ مَنَازِلَهَا، يُقَدِّمُ مَا شَاءَ وَمَنْ شَاءَ، وَيُؤَخِّرُ مَا شَاءَ وَمَنْ شَاءَ. الْأَوَّلُ: هُوَ الَّذِي لَا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ. الْآخِرُ: هُوَ الَّذِي لَا انْتِهَاءَ لِوُجُودِهِ، وَهُمَا صِفَتَانِ يَسْتَحِقُّهُمَا بِذَاتِهِ. الظَّاهِرُ: هُوَ الظَّاهِرُ بِحُجَجِهِ الْبَاهِرَةِ، وَبَرَاهِينِهِ النَّيِّرَةِ، وَشَوَاهِدِ أَعْلَامِهِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِ ربُوبِيَّتِهِ وَصِحَّةِ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الظُّهُورُ بِمَعْنَى الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْغَلَبَةِ. الْبَاطِنُ: هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ تَوَهُّمُ الْكَيْفِيَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ الظَّاهِرُ بِمَعْنَى الْعَالِمِ بِمَا ظَهَرَ مِنَ الْأُمُورِ، وَالْبَاطِنُ بِمَعْنَى الْمُطَّلِعِ عَلَى مَا بَطَنَ مِنَ الْغُيُوبِ، وَهُمَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ. الْوَالِي: هُوَ الْمَالِكُ لِلْأَشْيَاءِ وَالْمُتَوَلِّي لَهَا، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمُنْعِمِ عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ. الْمُتَعَالِي: هُوَ الْمُنَزَّهُ عَنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْعَالِي فَوْقَ خَلْقِهِ بِالْقَهْرِ. الْبَرُّ: هُوَ الْمُحْسِنُ إِلَى خَلْقِهِ، عَمَّهُمْ بِرِزْقِهِ، وَخَصَّ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِوِلَايَتِهِ، وَمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ، وَالتَّجَاوُزِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ. التَّوَّابُ: هُوَ الَّذِي يَتُوبُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عَبِيدِهِ وَيَقْبَلُ تَوْبَتَهُ. الْمُنْتَقِمُ: هُوَ الَّذِي يَنْتَصِرُ مِنْ أَعْدَائِهِ وَيُجَازِيهِمْ بِالْعَذَابِ عَلَى مَعَاصِيهِمْ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمُهْلِكِ لَهُمْ. الْعَفُوُّ: مِنَ الْعَفْوِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَحْوِ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى الصَّفْحِ عَنِ الذَّنْبِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمُفَضِّلُ فيُعْطِي الْجَزِيلَ مِنَ الْفَضْلِ. الرَّءُوفُ: هُوَ الرَّحِيمُ، وَالرَّأْفَةُ شِدَّةُ الرَّحْمَةِ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ إِرَادَتُهُ إِنْعَامَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْإِرَادَةِ، ثُمَّ قَدْ تُسَمَّى تِلْكَ النِّعْمَةُ رَحْمَةً. مَالِكُ الْمُلْكِ: وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُلْكَ بِيَدِهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ مَالِكَ الْمُلُوكِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ وَارِثَ الْمُلْكِ يَوْمَ لَا يَدَّعِي الْمُلْكَ مُدَّعٍ، وَلَا يُنَازِعُهُ فِيهِ مُنَازِعٌ، وَاسْتِحْقَاقُهُ لِذَلِكَ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ: أَيْ مُسْتَحِقٌّ أَنْ يُجَلَّ وَيُكَرَّمَ فَلَا يُجْحَدَ، فَتَكُونُ صِفَةً يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِكْرَامُ بِمَعْنَى إِكْرَامِهِ أَهْلَ وِلَايَتِهِ فِي الدُّنْيَا بمَعْرِفَتِهِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِجَنَّتِهِ، فيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ. الْمُقْسِطُ: هُوَ الْعَادِلُ فِي حُكْمِهِ. الْجَامِعُ: هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ الْخلَائِقَ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي جَمَعَ أَوْصَافَ الْمَدْحِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْغَنِيُّ: هُوَ الَّذِي اسْتَغْنَى عَنِ الْخَلْقِ، وَقِيلَ: الْمُتَمَكِّنُ مِنْ تَنْفِيذِ إِرَادَتِهِ فِي مُرَادَاتِهِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْمُغْنِي: هُوَ الَّذِي جَبَرَ مَفَاقِرَ الْخَلْقِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْكَافِي مِنَ الْغَنَاءِ وَهُوَ الْكِفَايَةُ. الْمَانِعُ: هُوَ النَّاصِرُ الَّذِي يَمْنَعُ أَوْلِيَاءَهُ، أَيْ يَحُوطُهُمْ وَينْصُرُهُمْ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ الْعَطَاءَ عَنْ قَوْمٍ، وَالْبَلَاءَ عَنْ آخَرِينَ. الضَّارُّ: هُوَ مُوَصِّلُ الضَّرَرِ إِلَى مَنْ أَرَادَ. النَّافِعُ: هُوَ مُوَصِّلُ النَّفْعِ إِلَى مَنْ يَشَاءُ. النُّورُ: هُوَ الْهَادِي، وَقِيلَ: هُوَ الْمُنَوِّرُ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَقِيلَ: هُوَ الْحَقُّ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى أَوْلِيَائِهِ بِالدَّلِيلِ، وَتَصِحُّ رُؤْيَتُهُ بِالْأَبْصَارِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا الْبَارِي تَعَالَى بِذَاتِهِ. الْهَادِي: هُوَ الَّذِي بِهِدَايَتِهِ اهْتَدَى أَهْلُ وِلَايَتِهِ، وَبِهِدَايَتِهِ اهْتَدَى الْحَيَوَانُ لِمَا يُصْلِحُهُ وَاتَّقَى مَا يَضُرُّهُ. الْبَدِيعُ: هُوَ الَّذِي فَطَرَ الْخَلْقَ مُبْدِعًا لَهُ لَا عَلَى مِثَالٍ سَبَقَ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى لَا مِثْلَ لَهُ، فيَكُونُ صِفَةً يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْبَاقِي: هُوَ الَّذِي دَامَ وُجُودُهُ، وَالْبَقَاءُ لَهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْوَارِثُ. الرَّشِيدُ: هُوَ الْمُرْشِدُ، وَهُوَ الْهَادِي، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْحَكِيمِ ذِي الرُّشْدِ لِاسْتِقَامَةِ تَدْبِيرِهِ، وَإِصَابَتِهِ فِي أَفْعَالِهِ. الصَّبُورُ: هُوَ الَّذِي لَا يُعَالِجُ الْعُصَاةَ بِالْعُقُوبَةِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْحَلِيمِ، وَصِفَةُ الْحَلِيمِ أَبْلَغُ فِي السَّلَامَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ. وَأَمَّا الْأَسْمَاءُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُصَيْنِ مِمَّا لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ فَمِنْهَا: الرَّبُّ: وَمَعْنَاهُ السَّيِّدُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْمَالِكُ، وَقِيلَ: هُوَ الْمُبَلِّغُ كُلَّ مَا أَبْدَعَ حَدَّ كَمَالِهِ الَّذِي قدَّرَهُ لَهُ، فهُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ، وَعَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ. الْحَنَّانُ: مَعْنَاهُ ذُو الرَّحْمَةِ. الْمَنَّانُ: هُوَ الْكَثِيرُ الْعَطَاءِ. الْبَادِئُ: مَعْنَاهُ الْمُبْدِئُ. الْأَحَدُ: الَّذِي لَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ. وَالْوَاحِدُ: الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا عَدِيلَ، وَعُبِّرَ عَنْهُ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقِيلَ: الْأَحَدُ، وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْمَعْنَى لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ، وَالْوَاحِدُ الْمُنْفَرِدُ بِالذَّاتِ لَا يُضَامُّهُ أَحَدٌ، وَهُمَا مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْكَافِي: الَّذِي يَكْفِي عِبَادَهُ الْمُهِمَّ، وَيَدْفَعُ عَنْهُمُ الْمُلِمَّ. الْمُغِيثُ: هُوَ الَّذِي يُدْرِكُ عِبَادَهُ فِي الشَّدَائِدِ فَيُخَلِّصُهُمْ. الدَّائِمُ: هُوَ الْمَوْجُودُ، لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْبَقَاءِ. الْمَوْلَى: هُوَ النَّاصِرُ الْمُعِينُ. الْمُبِينُ: هُوَ الْبَيِّنُ أَمْرُهُ فِي الْوَحْدَانِيَّةِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الصَّادِقُ: هُوَ الَّذِي يَصْدُقُ قَوْلُهُ، وَيَصْدُقُ وَعْدُهُ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ. الْمُحِيطُ: هُوَ الَّذِي أَحَاطَتْ قُدْرَتُهُ بِجَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ، وَأَحَاطَ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، وَالْقُدْرَةُ لَهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ، وَالْعِلْمُ لَهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ. الْقَرِيبُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَرِيبٌ بِعِلْمِهِ مِنْ خَلْقِهِ، قَرِيبٌ مِمَّنْ يَدْعُوهُ بإِجَابَتِهِ. الْقَدِيمُ: هُوَ الْمَوْجُودُ لَمْ يَزَلْ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْوِتْرُ: هُوَ الْفَرْدُ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ، وَهَذِهِ أَيْضًا صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْفَاطِرُ: هُوَ الَّذِي فَطَرَ الْخَلْقَ، أَيِ ابْتَدَأَ خَلْقَهُمْ. الْعَلَّامُ: بِمَعْنَى الْعَلِيمِ، وَبِنَاءُ الْفَعَّالِ بِنَاءُ التَّكْثِيرِ، وَالْعِلْمُ لِلَّهِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ. الْمَلِيكُ: هُوَ الْمَالِكُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَلِكِ، وَقَدْ مَضَى معنَاهُمَا. الْأَكْرَمُ: هُوَ الَّذِي لَا يُوَازِيهِ كَرِيمٌ، وَلَا يُعَادِلُهُ نَظِيرٌ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْكَرِيمِ. الْمُدَبِّرُ: هُوَ الْعَالِمُ بأَدْبَارِ الْأُمُورِ وَعوَاقِبِهَا، وَمُقَدِّرُ الْمَقَادِيرِ وَمُجْرِيهَا إِلَى غَايَاتِهَا، يُدَبِّرُ الْأُمُورَ بِحِكْمَتِهِ، وَيُصَرِّفُهَا عَلَى مَشِيئَتِهِ. ذُو الْمَعَارِجِ: وَالْمَعَارِجُ الدَّرَجُ، وَهِيَ الْمَصَاعِدُ الَّتِي تَعْرُجُ عَلَيْهَا الْمَلَائِكَةُ. ذُو الطَّوْلِ وَذُو الْفَضْلِ: وَمَعْنَاهُ أَهْلُ الطَّوْلِ وَالْفَضْلِ، وَذُو حَرْفُ النِّسْبَةِ كقَوْلِهِ: ﴿ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٧] . الْجَمِيلُ: هُوَ الْمُجَمِّلُ الْمُحَسِّنُ. الرَّفِيعُ: قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الرَّافِعِ، يَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ يَشَاءُ، فيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ: هُوَ الَّذِي لَا أَرْفَعَ قَدْرًا مِنْهُ، وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِدَرَجَاتِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ، وَهِيَ أَصْنَافُهَا لَا مُسْتَحِقَّ لَهَا غَيْرُهُ، فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ قَالَ الشَّيْخُ ﵀: وَقَدْ قِيلَ فِي مَعَانِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَبَعْضَهَا فِي كِتَابِ الْجَامِعِ، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي مَعَانِيهَا كُلُّهَا صَحِيحٌ، وَرَبُّنَا ﷻ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ مُتَّصِفٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى لَا شَبِيهَ لَهُ فِي خَلْقِهِ، وَلَا شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
1 / 59
بَابُ بَيَانِ صِفَةِ الذَّاتِ وَصِفَةِ الْفِعْلِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، فأَشَارَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَى فَصْلِ أَسْمَاءِ الذَّاتِ مِنْ أَسْمَاءِ الْفِعْلِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، إِلَى سَائِرِ مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الذَّاتِ وَأَسْمَاءِ الْفِعْلِ، فلِلَّهِ عَزَّ اسْمُهُ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ، وَأَسمَاؤُهُ صِفَاتُهُ، وَصِفَاتُهُ أَوصَافُهُ، وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا صِفَاتُ ذَاتٍ، وَالْآخَرُ صِفَاتُ فِعْلٍ. فَصِفَاتُ ذَاتِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ فِيمَا لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَقْلِيٌّ، وَالْآخَرُ: سَمْعِيٌّ. فَالْعَقْلِيُّ: مَا كَانَ طَرِيقُ إِثْبَاتِهِ أَدِلَّةَ الْعُقُولِ مَعَ وُرُودِ السَّمْعِ بِهِ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَدُلُّ خَبَرُ الْمُخْبِرِ بِهِ عَنْهُ، وَوصْفُ الْوَاصِفِ لَهُ بِهِ، عَلَى ذَاتِهِ، كَوَصْفِ الْوَاصِفِ لَهُ بِأَنَّهُ
1 / 70
شَيْءٌ، ذَاتٌ، مَوْجُودٌ، قَدِيمٌ، إِلَهٌ، مَلِكٌ، قُدُّوسٌ، جَلِيلٌ، عَظِيمٌ، مُتَكَبِّرٌ، وَالِاسْمُ وَالْمُسَمَّى فِي هَذَا الْقِسْمِ وَاحِدٌ. وَالثَّانِي: مَا يَدُلُّ خَبَرُ الْمُخْبِرِ بِهِ عَنْهُ، وَوصْفُ الْوَاصِفِ لَهُ بِهِ، عَلَى صِفَاتٍ زائِدَاتٍ عَلَى ذَاتِهِ قَائِمَاتٍ بِهِ، وَهُوَ كَوَصْفِ الْوَاصِفِ لَهُ بِأَنَّهُ حَيٌّ، عَالِمٌ، قَادِرٌ، مُرِيدٌ، سَمِيعٌ، بَصِيرٌ، مُتَكَلِّمٌ، بَاقٍ. فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَوصَافُ عَلَى صِفَاتٍ زَائِدَةٍ عَلَى ذَاتِهِ قَائِمَةٍ بِهِ، كَحَيَاتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَكَلَامِهِ وَبَقَائِهِ. وَالِاسْمُ فِي هَذَا الْقِسْمِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْمُسَمَّى لَا يُقَالُ: إِنَّهَا هِيَ الْمُسَمَّى، وَلَا إِنَّهَا غَيْرُ الْمُسَمَّى. وَأَمَّا السَّمْعِيُّ: فهُوَ مَا كَانَ طَرِيقُ إِثْبَاتِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَقَطْ، كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعَيْنِ، وَهَذِهِ أَيْضًا صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ لَا يُقَالُ فيهَا: إِنَّهَا هِيَ الْمُسَمَّى، وَلَا غَيْرُ الْمُسَمَّى، وَلَا يَجُوزُ تكْيِيفُهَا، فَالْوَجْهُ لَهُ صِفَةٌ وَلَيْسَتْ بِصُورَةٍ، وَالْيَدَانِ لَهُ صِفَتَانِ وَلَيْسَتَا الْجَارِحَتَيْنِ، وَالْعَيْنُ لَهُ صِفَةٌ وَلَيْسَتْ بِحَدَقَةٍ، وَطَرِيقُ إِثْبَاتِهَا لَهُ صِفَاتُ ذَاتٍ وَرَدَ خَبَرُ الصَّادِقِ بِهِ
1 / 71