حديثه وحدث، جواب المأمون في الحسن بن سهل: الدنيا أقصر أمدًا من أن تبلغ برجل منزلةً ثم تنقصه منها لغير حدث، وعلى حسن الرأي فيه حمله مدة سلطانه، وبصفايا أياديه أنهض أمله لإبلاغه في تأمل النعم وإمعانه، لا يسامح في أمره مناقشًا منافسًا، ولا يفاتح بذكره راجيًا تغيره إلا أسكته يائسًا، إفادةً للمحافظة الملوكية على حفظ الحرمة، وزيادةً على ما حكى من كرم المشارطة في الصحبة والخدمة! ذكر أبو جعفر بن النحاس أن علي بن زيد الكاتب استصحبه بعض الملوك فقال علي: أصحبك على ثلاث، قال: وما هي؟ قال: لا تهتك لي سترًا، ولا تشتم لي عرضًا، ولا تقبل في قول قائل حتى تستبرأني، قال: هذا لك، فمالي عندك؟ قال: لا أُفشي سرك ولا أُؤخر عنك نصيحة ولا أُوثر عليك أحدًا؛ قال: نعم الصاحب المستصحب أنت! فأين بواذخ المكرمات من هذه المكرمة الباذخة، والمأثرة اللائحة في الزمان البهيم كالشادخه، كلا لقد أعيت كلا، وأطلعها واحدة في الفضل الواحد فضلًا، ولما نزف منه بحر السماحة، ونسف بوفاته رضوان الله عليه طود الرجاحة، فانطوى الكمال المنشور، واستعسر النوال الميسور، أولاه بنوه الأمراء المعظمون المؤيدون المكرمون ﵃ ما ورثوه من مكارم الأخلاق، وتجافوا له عما جناه وحباه من أخاير الذخائر ونفائس الأعلاق، ولقد أصابه الدهر بما أصابه، وجرعه