118

الإنسان أن يجن في السنة مرة ، وكان من أشد الناس غيرة لا يدخل قصره غيره ، وكان في القصر كوى يطرح لنسائه منها ما يحتجن إليه ، قالوا : وليلة زفت إليه امرأته أمر بالبرذون الذي ركبته فذبح وأحرق سرجه لئلا يركبه ذكر بعدها. وقال ابن شبرمة : أصلح الله الأمير من أشجع الناس ؟ قال : كل قوم في إقبال دولتهم ، وكان أقل الناس طمعا وأكثرهم طعاما ، ولما حج نادى في الناس : برئت الذمة ممن أوقد نارا ، فكفى العسكر ومن معه أمر طعامهم وشرابهم في ذهابهم وإيابهم ومنصرفهم ، وهربت الأعراب فلم يبق في المناهل منهم أحد لما كانوا يسمعونه من سفكه الدماء ، قتل في دولته ستماية ألف صبرا فقيل لعبد الله بن المبارك : أبو مسلم خير أم الحجاج ؟ قال : لا أقول إن أبا مسلم كان خيرا من أحد ولكن الحجاج كان شرا منه. وكانت ولادته في سنة مائة للهجرة ، وكان أول ظهوره بمرو سنة تسع وعشرين وماية ، وكان السفاح كثير التعظيم لأبي مسلم لما صنعه ودبره ، وكان أبو مسلم عند ذلك ينشد في كل وقت :

أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت

عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا

ولما مات السفاح في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وتولى الخلافة أخوه أبو جعفر وهو بمكة صدرت من أبي مسلم أسباب وقضايا غيرت قلب المنصور عليه فعزم على قتله ، وبسط المؤرخون الأسباب التي اتخذها إلى أن ظفر به وقتله ، قال ابن خلكان : وكان قتله في شعبان سنة سبع وثلاثين ومائة برومية المدائن.

قال ابن الأثير : وكان أبو مسلم نازكا شجاعا ذا رأي وعقل وتدبير وحزم ومروءة ، وقيل له : بم نلت ما أنت فيه من القهر للأعداء ؟ فقال : ارتديت الصبر وآثرت الكتمان وحالفت الأحزان والأشجان وسامحت المقادير والأحكام حتى بلغت غاية همتي وأدركت نهاية بغيتي ، ثم أنشد الأبيات المتقدمة.

وقال أيضا : إن أبا مسلم ورد نيسابور على حمار بإكاف وليس معه آدمي فقصد في بعض الليالي دار الفاذوسيان فدق عليه الباب ففزع أصحابه وخرجوا إليه فقال لهم : قولوا

مخ ۱۴۰