والمعنى الثامن: أن الكلام يتبين فضله ورجحان فصاحته، بأن تذكر منه الكلمة في تضاعيف كلام، أو تقذف ما بين شعر، فتأخذها الاسماع وتتشوف إليها النفوس، ويرى وجه رونقها باديا، غامرا سائر ما تقرن به، كالدرة التي ترى في سلك من خرز، وكالياقوتة في واسطة العقد.
وأنت ترى الكلمة من القرآن يتمثل بها في تضاعيف كلام كثير، وهى غرة جميعه، وواسطة عقده، والمنادى على نفسه بتميزه، وتخصصه برونقه وجماله، واعتراضه في حسنه ومائه ".
ثم قال في ص ٦٤: " ولولا هذه التي بيناها، لم يتحير فيه أهل الفصاحة، ولكانوا يفزعون إلى التعمل للمقابلة، والتصنع للمعارضة..فلما لم نرهم اشتغلوا بذلك - علم أن أهل المعرفة منهم بالصنعة إنما عدلوا عن هذه الأمور، لعلمهم بعجزهم عنه، وقصور فصاحتهم دونه ".
والمعنى التاسع ص ٦٦: " أن الحروف التي بني عليها كلام العرب تسعة وعشرون حرفًا، وعدد السور التي افتتح فيها بذكر الحروف ثمانية وعشرون سورة وجملة ما ذكر من هذه الحروف في أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة، وهو أربعة عشر حرفًا، ليدل بالمذكور على غيره، وليعرفوا أن هذا الكلام منتظم من الحروف التي ينظمون بها كلامهم ".
والمعنى العاشر: " أنه سهل سبيله، فهو خارج عن الوحشي المستكره والغريب المستنكر، وعن الصنعة المتكلفة.
وجعله قريبًا إلى الإفهام، يبادر معناه لفظه إلى القلب، ويسابق المغزى منه عبارته إلى النفس.
وهو مع ذلك ممتنع المطلب، عسير المتناول، غير مطمع مع قربه في نفسه، ولا موهم مع دنوه في
موقعه - أن يقدر عليه، أو يظفر به ".
ثم قال في ص ٧٠: " وقد يمكن في تفاصيل ما أوردنا من المعاني الزيادة والإفراد فإنا جمعنا بين أمور، وذكرنا المزية المتعلقة بها.
وكل واحد من تلك الامور مما يمكن اعتماده في إظهار الاعجاز فيه ".
ثم ختم كلامه في هذا الفصل بالاجابة على سؤال هام أورده في ص ٧١ وهو: " فإنه قيل: فهل تزعمون أنه معجز، لأنه حكاية لكلام القديم سبحانه،
1 / 71