ولم يحتج إلى ذكر العامد معهما ، لان العلة المتوهمة في النائم والناسي ليست له ولا عذر له في ترك فرض ، وحوى الله في حكمه على لسان رسوله بين حكم الصلاة الموقوتة والصيام الموقوت في شهر رمضان بأن كل واحد منهما يقضي بعد خروج وقته فنص على النائم والناسي في الصلاة كما وصفنا ، ونص على المريض والمسافر في الصوم ، وأجمعت الأمة ونقلت الكافة فيمن لم يصم شهر رمضان عمدا وهو مؤمن بفرضه وإنما تركه أشرا وبطرا تعمد ذلك ثم تاب منه ، أن عليه قضاء ، وكذلك من ترك الصلاة عامدا ، فالعامد والناسي في القضاء للصلوة سواء وإن اختلفا في الإثم كالجاني على الأموال المتلف لها عامدا وناسيا سواء إلا في الإثم بخلاف رمي الجمار في الحج التي لا تقضي في غير وقتها لعامد ولا ناس لوجوب الدم فيما ينوب عنها ، وبخلاف الضحايا والصلاة والصيام كلاهما فرض واجب ودين ثابت يؤديان أبدا وإن خرج الوقت المؤجل لما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " دين الله أحق أن يقضي وإذا كان النائم والناسي للصلاة ، وهما معذوران يقضيان بعد خروج وقتها كان المتعمد لتركها أولى بان لا يسقط عنه فرض الصلاة ، وأن يحكمعليه بالإتيان بها لأن التوبة من عصيانه هي أداؤها وإقامتها مع الندم على ما سلف من تركه لها في وقتها ، وقد شذ بعض أهل الظاهر وأقدم على خلاف جمهور علماء المسلمين وسبيل المؤمنين ، فقال : ليس على المتعمد في ترك الصلاة وقتها أن يأتي بها في غير وقتها لأنه غير نائم ولا ناس وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها" ، والمتعمد غير الناسي ، وظن انه يستند في ذلك برواية شاذة جاءت عن بعض التابعين شذ فيها عن جماعات المسلمين وهو محجوج بهم مأمور باتباعهم ولم يأت فيما ذهب إليه من ذلك بدليل يصح في العقول . انتهى كلامه ملخصا .
ثم قال ابن عبد البر بعد ذكر الأحاديث الدالة على وجوب القضاء مطلقا ولو كان التارك عامدا : وأجمعوا على أن للعاصي أن يتوب من ذنبه بالندم عليه واعتقاد ترك العود عليه ، ومن لزمه حق لله أو لعباده لزمه الخروج منه ، وقد شبه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حق الله بحقوق الآدميين وقال : " دين الله أحق أن يقضي" . انتهى.
ثم قال بعد إلزامه من تفوه بهذا من الظاهرية بأصولهم وأقوال إمامهم ما أرى هذا الظاهري إلا وقد خرج عن قول جماعة العلماء من السلف والخلف وخالف جميع فرق الخلف والسلف وشذ عنهم ، ولا يكون إماما في العلم من أخذ بالشاذ في العلم .
وقد أوهم في كتابه أن له سلفا من الصحابة والتابعين تجاهلا منه أو جهلا ، وكل ما ذكر في هذا المعنى فغير صحيح ولا له حجة في شيء منه . انتهى ملخصا .
فظهر بهذا أن قول الشوكاني تبعا لبعض الظاهرية في هذه المسألة من خرافات الكلام لا له قرار على أصول الظاهرية ولا على أصول غيرهم من علماء الشريعة ، بل هو مخالف برمته عند من له أدنى عقل ، ولا يستقيم أمر النقل إلا بالعقل للكتاب والسنة وإجماع من قبل متفوه هذا المسألة .
فحرام على حملة الشريعة أن يذكروا رأيه في هذا الباب إلا لرده ولإظهار الصواب ، فضلا عن ترجيحه وتأصيله وتقويته وتنقيحه ، ولن يصلح العطار ما يفسده الدهر .
مخ ۱۳