ابراهيم ثانی
إبراهيم الثاني
ژانرونه
قال: «إنه لا يعنينى الآن إلا سرورى بوجودك معى، فى هذه البقعة الجميلة، والنيل يجرى تحت أقدامنا والشجرة الوريقة تظللنا».
قالت: «ألم يخطر لك قط أنك مسرف مبذر؟ إن الباعث لى على..».
فقال مقاطعا: «دعى البواعث.. نعم أنا كما قلت، مسرف مبذر. ولكنى لم أفكر فى هذا، لأنى خلقت هكذا، كما لا يفكر الإنسان كيف يمشى أو لماذا يمشى».
قالت: «صحيح أنك كريم سخى اليد ولكن».
فعاد إلى مقاطعتها وقال: «لا تغلطى.. ليس هذا كرما، ولا هو من الكرم فى شىء، وإنما هو التبذير ليس إلا، والفرق كبير بين الأمرين. ولست أجهل قيمة المال، ولست أدعى أنى أحتقره، وأنى لأعرف أن لو كان لى مال لكان لى شأن اخر فى الدنيا بين الناس، تصورى مثلا ما كان خليقا أن يكون لى من مقام، وما كنت جديرا أن أبلغه من المراكز الملحوظة لو كنت ذا مال. وكنت أستطيع مثلا أن أدعو إلى بيتى هؤلاء وأولئك من أصحاب المناصب العالية والجاه العريض، والنفوذ العظيم، وأن أدعى إلى بيوتهم - أو قصورهم - وأن أكون معهم كأنى من أندادهم وأقرانهم، أشهد معهم سباق الخيل وأغشى ما يغشون من أندية وغيرها وأقامر مع من يقامرون، من يدرى حينئذ ماذا كنت خليقا أن أكون؟ أعرف كل هذا، ولا يخفى على شىء منه، ولكنى لا أتحسر على فوته، ولا يحزننى عجزى عنه لأنه ليس مطلبى فى الحياة، أو همى من دنياى ، ولست أشتهيه، أو أرغب فيه، أو أحس بما يغرينى به. وقد بلغت حيث أريد بفقرى، واستطعت - بذراعى، وبغير مدد من المال والناس - أن أكون حيث أنا، ولست بالقانع، ولكن ما أطمع فيه لا يحوجنى إلى مال، ووسيلتى إليه ما أرجو أن يكون هنا».
ووضع أصبعه على جبينه.
فقالت: «لست أعنى هذا. ولكنى أعنى أنك لا تدخر شيئا لشيخوختك».
قال: «اليوم الذى أعجز فيه عن كسب رزقى بعرق جبينى هو اليوم الذى لن أحتاج بعده إلى مدخر. وليس لى ولد، وإذا كنت تشفقين على تحية فإن أباها بخير وهو يكفلها إذا طال عمره، وقد أفرد لها من ماله ما هو فوق الكفاية، فلماذا أضيق على نفسى وعليها، احتياطا لمستقبل لا داعى للاحتياط له؟»
قالت: «ولكنك قد ترزق الولد».
قال: «صحيح، قد يحدث هذا، ولكنى أرى أنه يكون خيرا لبنى أن يبدأوا حياتهم فقراء.. لا تستغربى. لقد كنت فى حياة أبى، وإذ أنا فى رخاء ورغد، تلميذا بليدا، خائبا، فلما مات وحلت بنا الفاقة، ذهبت البلادة، وتعودت الجلد، واستفدت القدرة على معاناة الحياة، ومغالبة الصعاب، وخوض العباب. كلا، لست أوثر لأبنائى - لو كان لى أبناء - الترف واللين والطراوة، ولحسب كل ولد أن يكفل له والداه الكفاية من التعليم، وخير له بعد ذلك، أن يقذف به فى بحر الحياة المتلاطم».
ناپیژندل شوی مخ