ابراهيم ثانی
إبراهيم الثاني
ژانرونه
وغاظه ما انطوى عليه كلام حامد من التهكم، وأعياه أن يجد له مسوغا وراح يتعجب لتحية مرة أخرى.. كيف يا ترى ستكون حياتها مع هذا الرجل الذى لا يلبس إلا الجلاليب الفضفاضة، ولا يعنى بغير القطن والفول والذرة والبرسيم والجاموسة والثور؟ وود فى هذه اللحظة لو يعرف رأى حامد فى تحية.. وانثنى من هذا يسأل نفسه عن رأيه هو فيها؟ وامتعض وقال لنفسه إنه لا حاجة به إلى جواب، ولا حق له فى أن يكون له رأى فيها، فإن شأنها لا يعنيه.
ونهضوا عن المائدة وذهب هو إلى الشرفة المطلة على النيل من بعيد، وكانت كريمة قد سبقته إليها وهو لا يدرى. فخشى أن يساء تأويل ذلك عند قوم عهده بهم أنهم لا تفوتهم كلمة أو حركة من ضيف، ولا يبعد أن يحملوا ما يكون منه على غير محمله، وخطر له أن يقظتهم وسوء ظنهم ثمرة عصور طويلة من الظلم والاستبداد وقلة الأمن والاطمئنان، وأنهم ورثوا ضعف الثقة بالعدل وحسن النيات.
وكانت كريمة متكئة على السور، فاعتدلت لما دنا منها، وتبسمت له. ولكن لسانه لم يسعفه، فلم يجد كلاما حاضرا، وكان يرى جانب وجهها المتورد، وشعرها الفاحم المرسل، وتذكر فى هذه اللحظة تحية - لا يدرى لماذا؟ - وهى تدندن بما لا يتبين فى ظلام الليل على حافة الجزيرة. وأغضبه أن تنثنى خواطره مرتدة إلى تحية، وأن لا يستطيع الكلام مع هذه الفتاة المشرقة الديباجة، الصابحة المحيا، كأن على فمه شبح يد يصده عن فتحه.. ورآها تنظر إليه بعينيها الواسعتين الفاترتين، ويفتر فمها الدقيق المغرى، وخيل إليه أن أنفاسها أسرعت، وأن صدرها يعلو ويهبط، وأحس أن شبابها يحمل عليها حملة رجا ألا تكون عنيفة هوجاء.
وقال فجأة، ومن غير أن يفكر: «أنت أجمل من رأيت يا كريمة».
فاتقد محياها وقالت وهى مطرقة: «يسرنى أن هذا رأيك».
ورآها جادة، وكان صوتها عميقا ساكنا كصوت الماء حين ينتهى إلى بركة. ووقفا بعد ذلك صامتين. ثم مضت بخطوات بطيئة إلى الداخل. فلما بلغت الباب التفتت إليه ولم تقل شيئا، وألقت إليه ابتسامة خفيفة.
وارتد بعدها داخلا فالتقى بتحية فسألها متبسما: «متى الزواج إن شاء الله؟» فهزت كتفيها، ثم قالت وأغفلت سؤاله: «الجزيرة أحلى من هنا».
فلم يدر أهى تصرفه، أم تبدى رأيا. وقال: «الحق معك. سأعود إليها».
قالت: «الآن».
وقال وقد ذهب عنه الشك: «نعم، فإنى بى حاجة إلى عزلتها. هى عالم اخر تسكن فيه النفس، وتطمئن، وتكف عن الجيشان، وتستريح من شدة المخض. ثم هناك الخضرة والماء - كهنا - ولكنهما هناك أوقع، حتى كأن الماء أمهى، والخضرة أخضر».
ناپیژندل شوی مخ