ابراهيم ثانی
إبراهيم الثاني
ژانرونه
وخاطبه صوت عذب فيه نبرة الشباب: «وحدك؟»
فوثب إلى قدميه من الدهشة، فقد كان صوت فتاة، ما فى ذلك شك. واضطرب وهو ينهض بسرعة، فكاد يقع، لعجلته ولقلة استواء الأرض، وامتدت يداه كأنما يحاول أن يمسك شيئا يعتمد عليه فيتقى الوقوع. فعل ذلك بالغريزة، ولو أتيح له أن يفكر لما دفع يديه. وكانت دهشته أعظم لما التقت يداه وهما تذهبان فى الهواء بجسم لين، ولو فكر لما تعجب.
وقالت: «لا تفعل هذا مرة أخرى. كدت توقعنى فى الماء».
كأنما كان قد تعمده.
فقال - وفاته أن يعتذر -: «لم أكن أدرى أن الماء قريب من هنا». وكان لا يرى منها إلا ثوبها الأبيض، وكان مع ذلك غامضا.
ولم يسمع جوابا فقال: «أنا إبراهيم ... قريب حامد».
وانتظر، فجاءه الجواب فى الظلام الدامس: «أنا تحية.. تحية طاهر».
وأضحكه أنه كان ينحنى لها فى الظلام، ولكنه صد نفسه عن هذا العبث وقال: «ستكونين سعيدة مع حامد.. رجل طيب جدا.. لا لأنه قريبى. بل لأنه طيب».
فلم تجب عن هذا، وقالت: لأ أظنك تتعجب وتتساءل عما جاء بى إلى هنا؟ وحدى فى الليل ... لا ألومك إذا تعجبت ... ولكنه لم يكن يسعنى إلا أن أفعل ... كان لابد أن أفر ... لم أعد أطيق الزحام ... ضاق صدرى جدا ... عمتك ست طيبة جدا ... غريبة ... لا متعلمة ولا.. مثقفة.. ولكنها ذكية.. ذكية جدا.. أدركت حاجتى إلى الهواء الطلق.. وإلى البعد من هذا الزحام.. والراحة من الضجة.. ورافقتنى إلى هنا!. وضحكت ثم قالت: «لفت نفسها بملاءة سوداء، كأن أحدا يمكن أن يراها فى هذا الظلام، وجاءت معى، تركتها فى الكشك، وخرجت أبحث لها عنك، فما جاءت إلا من أجلك. تالله ما أطيبها ... تحبك كحامد».
ولم يستغرب ما أنبأته به، فقد كان يعرف حبها له، ولا عجب فإنها بنت عمة أبيه. ولكنها كانت تحنو عليه حنوا شديدا، ولعل كل هذه الرقة منها له، مصدرها حبها لأمه هو؟ فقد كانتا صديقتين. امرأة طيبة على كل حال، ولها عنده منزلة تقارب، وإن كانت لا تعادل، منزلة أمه. فإن هذه لا شريك لها ولا مزاحم وكلهم يعرف ذلك، وما من أحد يسوءه أن منزلته عنده دون منزلتها.
ناپیژندل شوی مخ