ابراهیم کاتب
إبراهيم الكاتب
ژانرونه
ثم نهض ونظر خلفه ولم يمنعه قيام البناء في وجهه أن يدرك أن الشمس طلعت من ورائه!
وجلس وكتب في المذكرة هذه الملاحظات وهم يبتسم ويقول «لعل فيها فائدة لشوشو»! «ديسمبر - الريف. يظهر أن البقر أحس بالفجر من الديكة وأسرع إلى تحية الصباح من العصافير. وفي وسع من يعنيه ذلك أن يقضي ليلة في الريف ويبكر في القيام قبل الفجر بساعة وبعض ساعة. وليس في الريف ذلك السكون المزعوم فإذا سكنت الطبيعة هاجت الأبقار؛ ويجب على من يبغي الراحة والنوم العميق في الريف أن يأخذ معه كمية من الأسبرين أو الفيرامون تكفي له وللبقر عند الحاجة».
ولم يفتح الله عليه بأكثر من هذا أو أشبه منه بالمعاني الشعرية ولم يدون شيئا من الخوالج أو الإحساسات؛ لأنه كان في تلك الساعة مجردا منها. وعلى أنه - كما قال لنفسه - ما حاجته إلى الإحساسات التي قد يخطئ في تصويرها أو بوشيها بما يجعل ألوانها أزهى أو أقتم؟ أليست هناك مدرسة ترى أن يكون الوصف مطابقا للحقيقة عاريا من زينة الخيال وحليه وتفويفه؟ وهب لا مدرسة هناك فما ذنبه هو إذا كانت شمس الريف قد أبت إلا أن تطلع من ناحية غير مرقوبة؟ ومن أين تأتي هذه الخيالات أو تنشأ الإحساسات ولا تفكير له إلا في البقرة التي هدت رأسه بأنغامها، والدلو الذي شل ذراعيه جميعا على التوالي بثقله؟
ومع ذلك لم ير أنه يبخل على السماء بملاحظات تنفعه إذا حدثته نفسه أن يكون روائيا فيكتب: «تبدو السماء قرمزية ثم تخضر لسبب ما، ثم تصفر أو تبيض لسبب آخر غير واضح».
وضحك وقال لنفسه فلنشبهها بشيء! أليس التشبيه ضروريا في كل كلام شعري ولو لتقريب الصورة التي يراد أداؤها؟ ولكن من أين تجيء لها بمشبه وهى لا تثبت على لون؟ وماذا تقول شوشو إذا اطلعت على هذه العبارات ... شوشو؟ لقد خطرت له شوشو مرتين في نصف ساعة؟ ولكن لا عجب، فما يقضي معظم وقته إلا معها ولا يملأ جوه سواها الآن.
وعاد إلى التشبيه اللائق بهذا الجانب من السماء الذي احمر ثم اخضر ثم اصفر، وبينما كان جادا في البحث عنه، خرجت فاطمة الزنجية من باب الحريم ولم تكد تراه - وهو لاه عنها - حتى انكفات راجعة وعادت بأهل البيت جميعا كبارا وصغارا وسادة وخدما وفي طليعتهم نجية وشوشو وأقبلوا عليه جميعا يسألونه في وقت واحد عما به؟ وما جاء به إلى هنا؟ وفيم الجلوس على هذا الدلو؟ وماذا يصنع بالقلم والكتاب في يده؟ وهل هذه عادته في مصر؟ إلى آخر هذه الأسئلة التي قعد ينتظر آخرها على غير جدوى، وهو ينقل عينه من وجه إلى وجه تبعا لمصادر الأسئلة حتى كاد يجن.
ولما أعياه أن يجد فرصة للكلام وسط هذا اللغط المتواصل نهض عن الدلو في صمت ومضى إلى غرفته وأوصد بابها وراءه وانطرح على السرير بما عليه من ثياب وهو يقول: «لماذا لم أنم؟ سأنام حولا كاملا متى عدت، إلى القاهرة! ماذا كنت أصنع؟ لقد كنت أريد أن أخرس هذه البقرة التي أزعجتني كما لم تزعجني سيارات القاهرة وأبواقها وترامها وصياح البائعين فيها. ذلك كله هناك غير مستغرب وأعصاب المرء مستعدة له بسبق التوقع وبالعادة. ولكن هنا. هنا حيث يقولون إن السكون سابغ والهدوء مطبق محيط، والمرء لا يتوقع شيئا من الضوضاء، والأعصاب متفترة مسترخية من الاطمئنان والأمن، تكفي بقرة واحدة لإطارة العقل».
وأخذه النوم وهو يحدث نفسه بالرحيل.
الفصل العاشر
«العين لا تشبع من النظر والأذن لا تمتلئ من السمع»
ناپیژندل شوی مخ