113

ابراهیم ابو الانبیا

إبراهيم أبو الأنبياء

ژانرونه

وأقوى تلك الأسباب مساوئ الاحتكار والاستغلال؛ فإن تجارة العالم إذا توقفت على مدينة هنا ومدينة هناك؛ صارت في كل مدينة إلى فئة قليلة من السادة وأصحاب اليسار يحتكرون المقايضة والنقل، ويبرعون في أساليب المماسكة، ورفع الأسعار، وزيادة الضرائب والأجور على الرجال والمطايا وجند الحراسة، ويغتنم هؤلاء المحتكرون فرصتهم، فيخدعون البسطاء، ويحتالون على الأصول والشرائع، ويأخذون باليمين والشمال من الوارد والصادر، والغادي والرائح، ولا حيلة للتجار فيهم ولا لناقلي التجارة؛ لأنهم قابضون على الزمام، وليس في قدرة دولة أن تحاربهم إلا بالاشتباك في الحرب مع دولة أخرى، أو بإنفاق أموال في الغزو والحصار تزيد على الأموال التي يغتصبها المحتكرون أو يختلسونها، وقد يغلو هؤلاء المحتكرون في الجشع والتحكم حتى يدفعوا الدول إلى المجازفة بالغارة مرة تريحها من مرات.

كذلك صنع أنتيجون خليفة الإسكندر مع أهم هذه المدن في زمانه، وهي سلع «أو البتراء»، فجرد عليها حملتين ولم يفلح في غزوها، وهاجمها تراجان بقوة كبيرة فدمرها، وحول الطريق منها إلى بصرى، ولم يبق من حولها غير مدن صغار.

واشتهرت سدوم بين هذه المدن بالظلم وسوء المعاملة، وسلب الغرباء، وتدليس

4

القضاء، وفي قضائها يقول المعري:

وأي امرئ في الناس ألفى قاضيا

ولم يمض أحكاما كحكم سدوم

ومن أمثلة هذا القضاء في احتياله على الشريعة: أن رجلا اسمه حضور رأى طارئا غريبا أعجبه، في رحله بساط ملون، فدعاه إلى منزله ليبيت فيه، وسرق منه البساط، فلما طلبه الرجل قال له: إنك حالم، وإن تفسير البساط الملون في الرؤيا أنك تزرع أرضا ينمو فيها النبت من كل لون، ثم ساقه إلى القاضي ليعطيه أجره على تفسير رؤياه، فقضى له بالأجر المطلوب.

ومن أمثلتها أنهم سرقوا اليعازر خادم إبراهيم عليه السلام، فلما أخذ بتلابيبهم ضربوه، ورماه أحدهم بحجر وساقه إلى القاضي يطلب منه أجره على فصده، ولم يخلصه من حكم القاضي إلا أنه ضربه بحجر وأسال دمه، ثم قال له: إنني نزلت عن أجري كي تعطيه لغريمي!

وفي المشنا أسماء يزعمون أن اليعازر هذا أطلقها على قضاة سدوم، وهي شقارة أي الكاذب، وشقرورة أي المحتال، وكذبان أي المزور، ومضل دين أي المتجانف في دينونته وقضائه، وليس أكثر من حكايات التدليس التي تروى عنهم في كتب المشنا والمدراش.

ناپیژندل شوی مخ