109

ابراهیم ابو الانبیا

إبراهيم أبو الأنبياء

ژانرونه

وحدث في أوقات شتى أن مساومة السياسة وصلت إلى الإيمان بالإله المختار، فترك الملوك عبادته وعبدوا «البعل» وصنعوا له التماثيل، فتزوج آخاب، ملك إسرائيل، بنت ملك صيدا «وسار وعبد البعل وسجد له، وأقام مذبحا للبعل في بيت البعل الذي بناه في السامرة.»

وحدث هذا من أحد أبناء داود، فلم يستقم آحاز في عيني الرب كداود أبيه، «بل سار في طريق ملوك إسرائيل، وعمل أيضا تماثيل مسبوكة للبعليم.»

1

وكان النبي أرميا ينعى على الأنبياء أنهم يتواطئون على نسيان اسم الإله «كما نسي آباؤهم اسمي لأجل البعل». واستمرت هذه المساومات إلى عهد النبي هوشع الذي تخيل أمة إسرائيل مزفوفة إلى «يهوا»، لا تدعوه باسم البعل، وتنزع أسماء البعليم من فمها.

حدث هذا بين بني إسرائيل، ولم يطل بهم عهد الملك والاستقرار، ولم يزل أكثرهم رعاة يتنقلون في البادية، ولم يزل من هؤلاء الرعاة أناس يجهرون بالنبوة بين حين وحين، فليست دعوة النبوة بالدعوة التي تشيع وتجتذب إليها الأسماع في مواطن الحضارة القديمة، بعد استقرار العمران فيها بعاداته وآفاته مئات السنين أو ألوف السنين، وليس بالنادر في هذه المواطن أن يعلم الكهان حقيقة الوحدانية ويتركوا الشعب وشأنه يعبد الأصنام والأرباب المتعددة، ويتخذ له في كل إقليم ربا مقصورا عليه، ويستبقون إله الدولة الأكبر لمراسم الدولة الكبرى في الأعياد والمواكب التي يشهدها أصحاب التيجان ورؤساء الكهان.

وإذا شاع الفساد في مواطن الحضارة، فالمسألة في هذه الحالة مسألة تشريع وقانون، أو مسألة تنظيم وتدبير، وربما حالت ألفة العادات الفاسدة دون التنبه لإصلاحها بالتشريع أو بالتنظيم.

وأوضح الأمثلة على موقف الحضارة بالنسبة للدعوات الدينية هو مثل الملك إخناتون بالديار المصرية، فإن دعوة إخناتون بلغت بالتوحيد أعلى مرتقاه في تلك العصور، وبلغت بتنزيه الإله غاية لم تدركها حتى اليوم بعض الأمم في البلاد الشرقية أو الغربية، ولكنها دعوة جاءت من طريق الأوامر والقوانين ، ولم تلبث أن ذهبت بذهاب الملك الذي أصدر تلك الأوامر والقوانين، ثم عادت الحضارة إلى مجراها كأنها لم تنحرف عنه في عهد الملك الراحل طرفة عين.

فليست بلاد العمران المتصل مهدا صالحا للرسالة والنبوة، فما حال الصحراء التي انقطع ما بينها وبين العمران كل الانقطاع؟

إن لم يكن شأنها في أمر الرسالة النبوية شأن العمران المتصل فما هو بأصلح منه ولا أيسر.

فليس في الصحراء التي انقطع ما بينها وبين العمران من شريعة غير شريعة العدوان، ولا عمل للقبائل فيها غير الإغارة والاستعداد لدفع الغارات من الآخرين، وربما تفاهموا على آداب الجوار والمهادنة كأنها من التدبيرات العملية التي لا ترتقي إلى طبقة الفضيلة والعقيدة، وربما تحلى بعض الناس فيها بمناقب الشجاعة والسخاء وما إليها من مناقب الميادين، وشمائل السيادة والرئاسة. أما أن يتعارف المقاتلون المنقطعون عن العمران على الحقوق والفضائل، وخلائق الصلاح والاستقامة التي ينشرونها باسم الإله، ويستمعون وحيها من نذر السماء، فذلك من وراء التخيل فضلا عن التفكير.

ناپیژندل شوی مخ