99

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

خپرندوی

دار الفكر العربي

١٠٩- والصفة الثالثة: حضور البديهة، فقد كان مع قوة حافظته وتعمقه في الدراسة حاضر البديهة تخرج المعاني من مكانها في الحافظة سريعة كالجندي السريع يجيب أول نداء، وكان يبدو ذلك في درسه واضحاً جلياً، فإرسال المعاني تجيئه عند الحاجة إليها من غير إجهاد أو تعمل؛ وعند المناظرة يفحم الخصوم، بكثرة ما يحفظ وبحضور ما يحفظ في ساعة الجدال، مما لا يقوى عليه الخصوم، ولا يستطيعون الرد إلا بعد طول الإمعان والنظر والمراجعة.

وقد قال أحد تلاميذه أبو حفص البزار: ((كان ابن تيمية إذا شرع في الدرس يفتح الله عليه أسرار العلوم وغوامض ولطائف ودقائق وفنون ونقول العلماء... واستشهاداً بأشعار العرب، وهو مع ذلك يجري كما يجري التيار، ويفيض كما يفيض البحر)).

وجاء في وصفه أيضاً عند ما يسأل ويناقش: ((قل أن وقعت واقعة وسئل عنها إلا وأجاب فيها بديهة بما بهر واشتهر، وصار ذلك الجواب كالمصنف الذي يحتاج فيه غيره إلى زمان طويل، ومطالعة كتب، وربما لا يقدر مع ذلك على إيراد مثله))(١).

والبديهة الحاضرة بالنسبة للخطيب والمناظر كأدوات الحرب السريعة للمقاتل، وتصيب المقاتل، وتقطع مفاصل القول، وتربك الخصم، فيبده بما لا يتوقع فيطلب فيه الجواب، وليس عنده ذلك السلاح فيتردى، أو يخرج من الميدان مهزوماً مدحوراً.

ولهذه الصفة كان خصوم ابن تيمية يتهيبون لقاءه، ومن لا يعرفها فيه، وينتر بحجته إذا لقيه كان عبرة المعتبرين، فيلقمه العالم الجليل الحجة؛ وما انتصر عليه أحد في ميدان القول؛ وما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من محنة في مصر، أو في الشام في آخر حياته إلا بالتدبير ليلاً والاجتهاد في ألا يسمع قوله، ولو سمع قوله ما استطاعوا له كيداً.

(١) ص ١٥٤ من المجموعة التي طبعها الكردي.

98