96

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

خپرندوی

دار الفكر العربي

في ذلك ولا أرفع من دلالته، برز في كل علم أبناء جنسه، ولم تر عين من رآه مثله، ولا رأت عينه مثل نفسه، فيحضر مجلسه الجم الغفير، ويروون من بحره العذب النمير، ويرتعون من ربيع فضله في روضة وغدير)).

وقال فيه كمال الدين الزملكاني الشافعي معاصره، والذي كان يقاربه في السن: ((كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحداً لا يعرفه مثله، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك، ولا يعرف أنه ناظر أحداً فانقطع معه - ولا تكلم في علم من العلوم سواء أكان من علوم الشرع أم غيرها، إلا فاق فيه أهله والمنسوبين إليه، وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة والترتيب والتقسيم)).

١٠٦- ولو أحصيت أو حاولت أن تحصي أقوال الذين قدروه حق قدره، وعرفوا حقيقة أمره، واعترفوا بمنزلته لضاق مجلد ضخم عن أن يسعها، ويحيط بها، فلنكتف بهذا على أنه نموذج لما وراءه، وصورة كاشفة لأقوال غيرهم، وهنا ليسأل الباحث لم بلغ ابن تيمية تلك المنزلة من العلم، وهذه المكانة من التأثير في أعدائه وأوليائه، ما الأسباب المكونة لذلك العلم، ولتلك الشخصية الفذة التي جددت الإسلام، وأعادت إليه رونقه قشيباً في عصور الظلام والطغيان؛ وقد تألبت كل العناصر على الإسلام والمسلمين.

وإنا نعتقد أن العناصر المكونة لتلك الشخصية القوية أربعة، (أولها) مواهبه التي وهبها الله له، وما كان عليه من صفات شخصية ذاتية، (ثانيها) من تلقى عليهم العلم، سواء أكانوا رجالاً موفقين، أم كتباً موجهة درسها بتعمق وتأمل، (ثالثها) حياته وما انصرف إليه، (رابعها) عصره الذي عاش فيه، سواء أكان ما استفاده منه بطريق الإيجاب بأن تغذى من عناصره، ووجهته ودفعته أم كانت استفادته منه من مقاومة ما فيه فأرهفت قواه، وشدت عوده فضرب على أوتاره ضرباً عنيفاً، فإن العالم ذا الشخصية القوية يستفيد من عصره سلباً وإيجاباً.

95