Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
خپرندوی
دار الفكر العربي
وصار جند التتار على أبواب دمشق، وأهلها في ذعر، وفر كثيرون من أعيان العلماء إلى مصر كقاضي الشافعية إمام الدين، وقاضي المالكية الزواوي، وغيرهم من كبار العلماء وكبار الرجال، حتى صار البلد شاغراً من الحكام وكبار رجال الدين، ولكن عالماً واحداً بقي مع العامة. فلم يفر ولم يخرج، لأن له قلباً يحول بينه وبين الفرار(١)، وله شعور يمنعه من أن يترك العامة من غير مواس في هذه البأساء، وله دين يمنعه من أن يترك أمور الناس فوضى لا حاكم يردع، ولا نظام يمنع. فقد ساد السلب والنهب، حتى إن المحبوسين من الشطار والسراق خرجوا من الحبس، وكانوا قريباً من مائتي رجل. فنهبوا ما يقدرون عليه، وهكذا غيرهم من أهل الشطارة والدعارة.
جمع ابن تيمية أعيان البلد، واتفق معهم على ضبط الأمور، وأن يذهب على رأس وفد منهم يخاطبون ملك التتار في الامتناع عن دخول دمشق.
٤٢- وقد ذهب الشيخ مع الوفد، والتقى بقازان(٢) ملك التتار وقائدهم. وقد كسا الله الشيخ حلة من المهابة والإيمان والتقى؛ ولقد قال أحد الذين شاهدوا اللقاء «كنت حاضراً مع الشيخ فجعل يحدث السلطان بقول الله ورسوله في العدل، ويرفع صوته، ويقرب منه.. والسلطان مع ذلك مقبل عليه، مصغ لما يقول، شاخص إليه، لا يعرض عنه، وإن السلطان من شدة ما أوقع الله في قلبه من الهيبة والمحبة سأل من هذا الشيخ؟ إني لم أر مثله، ولا أثبت قلباً منه، ولا أوقع من حديثه في قلبي، ولا رأيتني أعظم انقياداً لأحد منه، فأخبر بحاله وما هو عليه من العلم والعمل(٣)».
وبما خاطبه عن طريق الترجمان: «قل للقازان أنت تزعم أنك مسلم، ومعك قاض وإمام وشيخ ومؤذنون على ما بلغنا، وأبوك وجدك كانا كافرين، وما عملا الذي عملت، عاهدا فوفيا، وأنت عاهدت فغدرت، وقلت فما وفيت، وجرت
(١) ابن كثير ص ٩ ج ١٤ (٢) هو رابع ملك مسلم منهم وقد توفي سنة ٧٠٣
(٣) القول الجلي في ضمن مجموعة من المناقب ص ١٦٢
37