Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
خپرندوی
دار الفكر العربي
ابن تيمية وفقهه، ونحن الآن بصدد بيان سرد حياته، وما عرض له، وما عثر الطريق بين يديه. والطرائق التي سلكها في ملاقاة خصومه، وما تحمل في سبيل ذلك.
ويلاحظ في الحادثة السابقة أن المحنة ما جاءت من العامة، بل جاءت من الخاصة، فإن الذي حمل لواء الاعتراض هو قاضي الحنفية، وضم لنصرته بعض الأمراء. فنادى المنادون بمنع ذلك الاعتقاد، كأن العقائد تحارب بالنداء والدعاء لا بالدليل والبرهان، وسنجد في مجرى حياة ابن تيمية أنه في أكثر الأحوال كان العامة في الشام في جانبه، وأن الذين تولوا الاعتراض على طريقه من متعصبة المذاهب، ولم نجد العوام قد اشتركوا في أذاه إلا في بعض الحوادث في مصر.
وذلك لأن العامة لم يروا في ذلك العالم الجليل إلا الصلاح البين، والغيرة الدينية المنبعثة من قلب عامر بالإيمان، ولم يروا فيه إلا ناصراً للعدل، شديد الحدب عليهم، حريصاً عليهم رؤوفاً بهم، وهو إذا اختلف مع العلماء وجدوا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تتنزل على لسانه انثيالاً، وتجرى عليه إرسالاً، ويسترسل في ذلك أمامهم استرسال عالم السنة العريق، المدل بنسبة ما يقول إلى رسول الله الكريم، وأي حجة تقف أمام قول الرسول، وأي قول قديم أو حديث يثبت أمام أثر للنبي صلى الله عليه وسلم.
ثم نجد ملاحظة أخرى في الحادثة السابقة أن القاضي الحنفي يحرك الفتنة، والقاضي الشافعي يطفئها، وسنجد أن الذي يحرك الإحن في مصر ويثيرها حرباً على ابن تيمية القاضي المالكي، ولا يخوض فيها الشافعية إلا قليلاً؟ ولماذا كانت الأحوال على ذلك! لعل السر في ذلك أن الحنابلة في الشام كان لهم تحيز خاص، وأنهم قريبون من الشافعية باعتبار أن الإمام أحمد من تلاميذ الشافعي، ويذكره ابن السبكي في طبقات الشافعية، وبعض ما كان ينزل بابن تيمية كان من مخالفة الحنابلة للأشاعرة والماتريدية فكان القريبون من الحنابلة بعيدين عن التعصب عليهم، والإنصاف لهم، وإن خالفوهم في الجملة مع المخالفين.
34