Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
خپرندوی
دار الفكر العربي
وإذا كانت هذه حاله، ففي أى مرتبة من الاجتهاد يكون وضعه، أهو مجتهد مطلق كالأئمة الأربعة، أو أصحاب أبى حنيفة، كأبى يوسف، ومحمد بن الحسن وزفر بن الهذيل، فإن هؤلاء الصحاب مجتهدون مطلقون (كما هو رأينا) أم هو مجتهد منتسب تقيد بالأصول الحنبلية، وسار على نهجها، وإن كان قد وصل إلى نتائج في الفروع تخالف الحنابلة، بل تخالف كل فقهاء المذاهب الأربعة.
إن هذه مسألة تقتضي تتبع الفروع التي خالف فيها أحمد وغيره، والأصول التي بنى عليها أحكام تلك الفروع فيما انتهى إليه، وخص هذه الأصول على ضوء الأصول الحنبلية، فإن كانت داخلة في عمومها غير بعيدة عن منهاجها، قررنا أنه مجتهد منتسب؛ لأنه مقيد بأصول المذهب الحنبلي فهو منتسب إليه، واجتهاده كان في الفروع لا في الأصول، وإن كانت الأصول التي بنى عليها مخالفة في بعض الأحكام أنواعاً جديدة ليست داخلة في عموم أصول أحمد، فإنه مجتهد مطلق خلع قيد التقليد، والانتساب إلى الحنبلية معاً.
وإن هذه النتيجة لا يمكن الوصول إليها إلا بعد دراسة آرائه الفقهية دراسة عميقة، فإننا نجد فيها الهادي المرشد إلى تعرف قيمة فقهه عامة، ومدى اجتهاده في المسائل التي خالف فيها خاصة.
١٤- وإن السبيل المعبد للكشف عن قيمة ما وصل إليه هو دراسة كتبه ورسائله، وهي فياضة بثمرات عقله، بل إنك تستمع فيها إلى خفقات قلبه، وتلمس منها مشاعر نفسه.
وإنه لكي يتجلى عمله بالنسبة لغيره، لا بد أن ندرس آراء غيره فيما خالف فيه، لأنه بالموازنة بين الدليلين نعرف أهدى الرأيين، والصواب منهما، وإنه لكي يتجلى ذلك تمام التجلي لابد أن نتكلم كلمة عن الفرق التي هاجمها، فقد وجدناه هاجم الشيعة، واختص بالمهاجمة الباطنية والحاكمية والنصيرية الذين كانوا في عصره، فلا بد من إلمامة موجزة ببعض أخبار الشيعة ومناهجهم، ووجدناه قد هاجم الجهمية، وهاجم الأشاعرة في مسألة الجبر والاختيار، فكان لا بد من
15