108

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

خپرندوی

دار الفكر العربي

ما ينفق. فناداه ابن تيمية ووضع في يده دراهم، وقال أنفق منها وأخل خاطرك. وما تحدث الشاب بحاجته، ولكنها فراسة المؤمن، وكرمه.

وإن الذين يتولون إصلاح الجماهير يجب أن يكون لهم من قوة الفراسة ونفاذ البصيرة ما يمكنهم من أن يدركوا خلجات القلوب من العيون وحركات النفوس من غضون الوجوه، ليستطيعوا أن يخاطبوا الوجدان؛ ويصيبوا المشاعر بما يريدون، وكذلك آتاه الله هذا الحظ من الإدراك الروحي، والإحساس النفسي، ولذلك ما خاطب جماعة إلا استرعى انتباهها، وأصاب مشاعرها بما يقول إلا من ركب العناد رأسه، وجمح به شماس نفسه، فإن منافذ الإدراك عنده تسد، فإن لم يصل القول الحق إليه فإن ذلك يكون من نقص فيه، لا من نقص في القائل.

١١٥- وإن الحق يوجب علينا ونحن نذكر صفاته ألا نقتصر على محاسنها، بل نذكر مع الحسن غيره، ونحن إن تلمسنا له صفة غير محمودة لم يبرز لنا من بين سجاياه شيء إلا صفة واحدة وهي الحدة في القول، والشدة فيه، حتى إنه ليوجع أحياناً، فيكره الناس الشفاء لألم الدواء، بل إن تلك الحدة كانت تخرج به من نطاق الحجة القوية والنقد اللاذع إلى الطعن أحياناً، انظر إلى قوله في ابن الإخنائي قاضي المالكية، فإنه لما بلغه أنه رد عليه في مسألة زيارة القبور، استجهله، وقال إنه قليل البضاعة في العلم، ويصح أن يكون الواقع كذلك، ولكن الداعي المرشد أعلى من أن يذكر ذلك في خصمه، وكثيراً ما كان يصف مخالفيه بأنهم مبتدعون، نعم إن الدليل الذي يسوقه قد ينتج ذلك، ولكن ما كنا نحب أن يصرح بالنتيجة إذا كانت من ألفاظ السب، بل يترك المقدمات تنتجها، وهي مطوية فيها وبينة منها.

وقد يكون الجدل هو الذي يؤدي إلى هذه الحدة، فإن كل مجادلة منازلة، وفي النزال يحتدم القول، فتكون الحدة في التعبير وقد يغض ذلك من قيمة الحق في ذاته، ولذلك كان الإمام مالك ينهى عن الجدل، حتى مع أهل الجدل، ويقول

107