وآثار السلف الصالح، إذا تبين له صحة صدورها عنهم. وفي هذه المصادر الأولى للإسلام وشريعته كان له جولات ومجال أي مجال.
على كل هذا يجمع مؤرخوه، وبكل هذا تنطق رسائله وكتبه وآراؤه التي تفرد بها وهي غير قليلة، كما تنطق به حياته وما لقي من سجن واعتقال مرات بسبب بعض هذه الآراء حتى لحق بربه تعالى وهو سجين بقلعة دمشق.
وسنعرض فيما يأتي عند الكلام على فقهه، إلى هذه الآراء التي انفرد بها، والتي حوكم وسجن من أجلها،
18
وحسبنا هنا أن نشير إلى ما فيها من دلالة على حريته في الفكر وعلى عدم جموده على آراء قال بها قبله كثير من أعيان الفقهاء والعلماء، مستهينا في هذا السبيل بما يلقى من عنت وأذى شديدين.
ومن ثم، كان من الحق ما قاله ابن الوردي عنه في هذه الناحية: «وأعان أعداءه على نفسه بدخوله في مسائل كبار لا تحتملها عقول أبناء زماننا ولا علومهم، كمسألة التكفير في الحلف بالطلاق (أي لا يقع الطلاق ولكنه يلزم الحالف عند الحنث كفارة اليمين)، ومسألة أن الطلاق بالثلاث لا يقع إلا واحدة، وأن الطلاق في الحيض لا يقع.»
19
وهو وإن كان حنبلي المذهب في نشأته، إلا أن ما أخذ به نفسه - من الرجوع إلى المعين الصافي الذي أخذ منه أئمة الفقه المعروفون - أداه بعد دراسات وتمحيص إلى أن يخالف مذهب الإمام ابن حنبل، بل مذاهب الفقهاء الآخرين أيضا في بعض ما ذهب إليه.
ومن ذلك أن هؤلاء الفقهاء أجمعوا على أنه يحرم بالرضاع ما يحرم بالمصاهرة، وهذه قاعدة وصلوا إليها باجتهادهم واستنباطهم، ولكن ابن تيمية لم يذهب إلى هذا الرأي الذي لم يشر إليه قرآن أو حديث، فقد نقل عنه أن تحريم المصاهرة لا يثبت بالرضاع، فلا يحرم على الرجل نكاح أم زوجته وابنتها من الرضاع، ولا يحرم على المرأة نكاح أبي زوجها وأبي أمه من الرضاع.
20
ناپیژندل شوی مخ