150

وهناك الفقهاء أصحاب المذاهب الأخرى الذين يرون أن الأصل في العقود والشروط هو الحل والإباحة، فلا يحرم منها إلا ما جاء الشرع بتحريمه والمنع منه.

وهؤلاء في التوسعة على الناس في معاملاتهم على درجات مختلفة، فمنهم الأحناف ثم الشافعية الذين لا يكادون يفرقون عنهم من ناحية الأسس والأصول، وإن كانوا أقل توسعة منهم في ناحية التطبيقات.

ثم يجيء المالكية الذين وسعوا على الناس أكثر من الأحناف، وأخيرا الحنابلة - وبخاصة ابن تيمية وأتباعه منهم - الذين جروا في التوسع والتيسير إلى آخر الشوط، وكانوا فيما ذهبوا إليه متفقين مع ما عرف به الإسلام من رفع للحرج وتيسير. •••

والآن، بعد هذه المقدمة التي لم يكن منها بد في رأينا، نبدأ في بيان معالجة الإمام ابن تيمية للمسألة، وكيف كان محيطا بالمذاهب والآراء الفقهية فيما على اختلافها، وباستدلال كل فريق لما ذهب إليه، وأخيرا نعرض رأيه الحق الذي ذهب إليه واستدل له بما فيه مقنع وبلاغ لمن يطلب الحق ويعتنقه مع ما قام عليه الدليل.

إنه رحمه الله يذكر أن العقود في المعاملات المالية وغيرها لها قواعد جامعة عظيمة المنفعة، ثم أخذ يتكلم عن هذه القواعد واحدة بعد الأخرى، وجعل القاعدة الثالثة في العقود والشروط، ما يحل منها وما يحرم، وما يصح منها وما يفسد، ثم قال: «ومسائل هذا القاعدة كثيرة جدا، والذي يمكن ضبطه منها قولان؛ أحدهما: أن يقال إن الأصل في العقود والشروط الحظر إلا ما ورد الشرع بإجازته، وهذا قول أهل الظاهر، وكثير من أصول أبي حنيفة تبنى على هذا، وكثير من أصول الشافعي، وأصول طائفة من أصحاب مالك وأحمد.»

17

وبعد هذا الإجمال أو الإشارة إلى مذاهب الفقهاء، شرع في تفصيل هذا الإجمال بالنسبة لهم جميعا فقال: «فإن أحمد قد يعلل أحيانا بطلان العقد بكونه لم يرد به أثر ولا قياس، كما قال في إحدى الروايتين في وقف الإنسان على نفسه، وكذلك طائفة من أصحابه قد يعللون فساد الشروط بأنها تخالف مقتضى العقد، ويقولون ما خالف مقتضى العقد فهو باطل.

وأما أهل الظاهر فلم يصححوا لا عقدا ولا شرطا إلا ما ثبت جوازه بنص أو إجماع، وإذا لم يثبت جوازه أبطلوه واستصحبوا الحكم الذي قبله، وطردوا ذلك طردا جاريا، لكن خرجوا في كثير منه إلى أقوال ينكرها عليهم غيرهم.

وأما أبو حنيفة فأصوله تقتضي أنه لا يصح في العقود شرط يخالف مقتضاه المطلق، وإنما يصحح الشرط في المعقود عليه إذا كان العقد مما يمكن فسخه؛ ولهذا له أن يشترط في البيع خيارا، ولا يجوز عنده تأخير تسليم المبيع بحال؛ ولهذا منع بيع العين المؤجرة، وإذا ابتاع شجرا عليه ثمر للبائع فله مطالبته بإزالته ...

ولم يصحح في (عقد) النكاح شرطا أصلا؛ لأن النكاح عنده لا يقبل الفسخ؛ ولهذا لا ينفسخ عنده بعيب أو إعسار ونحوهما، ولا يبطل بالشروط الفاسدة مطلقا، وإنما صحح أبو حنيفة خيار الثلاث للأثر وهو عنده موضع استحسان.

ناپیژندل شوی مخ