130

وهو لهذا حقيق بأن يوصف بأنه فقيه مجتهد حقا وإن كان ينتسب للمذهب الحنبلي لاتفاقه مع مؤسسه في أصوله الفقهية، ولو تقدم به الزمن إلى عصر الأئمة الأربعة لعد بلا ريب من المجتهدين بإطلاق.

الاستصحاب

ويجيء هذا الأصل بعد الأصول السابقة، وهو حجة عنده وعند غيره من الفقهاء في الوصول إلى الأحكام الفقهية، ويقول في تعريفه وحجيته: «وهو البقاء على الأصل فيما لم يعلم ثبوته وانتفاؤه بالشرع، وهو حجة على عدم الاعتقاد بالاتفاق، وهل هو حجة في اعتقاد العدم؟ فيه قولان.»

37

فإن عرض للمجتهد عقد أو تصرف جد في زمنه، وسئل عن رأيه فيه، ولم يجد نصا من الكتاب أو السنة أو دليلا شرعيا آخر يبين حكمه الشرعي بالإباحة أو التحريم، كان عليه أن يحكم بأنه مباح بناء على أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما حرم شرعا، وهذه الإباحة هي الحال التي خلق الله عليها ما في الأرض جميعا، فما دام لم يقم لديه دليل على تغير هذه الحال، يجب أن يكون الحكم باقيا على الإباحة الأصلية.

وكذلك الملك الثابت لشخص ما لشيء من الأشياء يعتبر قائما بدليل الاستصحاب، ما لم تتغير الحال فيجد ما يثبت زوال ملكه له، وذمة الإنسان البريئة من شغلها بدين أو التزام يظل حكمها أنها بريئة حتى يثبت أنها مشغولة؛ وذلك لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره.

ويقول الخوارزمي في كتابه «الكافي» عن هذا الدليل أو الأصل: «وهو آخر مدار الفتوى، فإن المفتي إذا سئل عن حادثة يطلب حكمها في الكتاب ثم في السنة ثم في الإجماع ثم القياس ، فإن لم يجده فيأخذ حكمها من استصحاب الحال في النفي والإثبات، فإن كان التردد في زواله، فالأصل بقاؤه وإن كان التردد في ثبوته فالأصل عدم ثبوته.»

38

ومع هذا، فإن الحق في رأينا أن من التجوز عد الاستصحاب دليلا؛ لأن الدليل في الحقيقة هو الدليل الذي ثبت به الحكم السابق، وما الاستصحاب إلا استبقاء دلالة هذا الدليل على حكمه.

39

ناپیژندل شوی مخ