هكذا يرى شيخ الإسلام ابن تيمية بحق، وأما الذين ذهبوا إلى أن هذه العقود الثلاثة على خلاف القياس فقد ظنوا أنها من جنس الإجارة فيشترط فيها مثلها العلم بالعوضين، فلما رأوا أن العمل في هذه العقود غير معلوم وكذلك الربح قالوا بمخالفتها للقياس.
وهذا من غلطهم كما يقول: فإن هذه العقود من جنس المشاركات لا من جنس المعاوضات الخاصة التي يشترط فيها العلم بالعوضين، والمشاركات جنس غير جنس المعاوضة وإن قيل إن فيها شوب المعاوضة.
34
وبعد أن بحث ابن تيمية هذه العقود الخمسة وعقودا كثيرة أخرى، وبين أنها جميعها على وفق القياس لا بخلافه كما زعم جمهور الفقهاء، قال ما ينبغي أن ننقله بنصه: «وبالجملة، فما عرفت حديثا صحيحا لا يمكن تخريجه على الأصول الثابتة، وقد تدبرت ما أمكنني من أدلة الشرع فما رأيت قياسا صحيحا يخالف حديثا صحيحا، كما أن المعقول الصريح لا يخالف المنقول الصحيح، بل متى رأيت قياسا يخالف أثرا فلا بد من ضعف أحدهما.
لكن التمييز بين صحيح القياس وفاسده مما يخفى كثير منه على أفاضل العلماء، فضلا عمن هم دونهم، فإن إدراك الصفات المؤثرة في الأحكام على وجهها، ومعرفة الحكم والمعاني التي تضمنتها الشريعة، من أشرف العلوم فمنه الجلي الذي يعرفه كثير من الناس، ومنه الدقيق الذي لا يعرفه إلا خواصهم.
فلهذا صار قياس كثير من العلماء يرد مخالفا للنصوص لخفاء القياس الصحيح عليهم، كما يخفى على كثير من الناس ما في النصوص من الدلائل الدقيقة التي تدل على الأحكام.»
35
مسألة المصراة
ولعل مصداق هذا التأكيد، فضلا عما ذهب إليه في تلك العقود، رأيه في «مسألة المصراة» وما جاء به حديث الرسول في ضمان لبنها الذي حلبه المشتري، فقد رأى الفقهاء قبله في أن جعل هذا الضمان صاعا من تمر هو حكم مخالف للقياس للوجوه التي ذكرنا عنهم من قبل.
36
ناپیژندل شوی مخ