125

بل قد كان ذلك - كما يذكر ابن القيم - بمشهد من الصحابة، ولم ينكره منهم رجل واحد، ومن جعل هذا إجماعا فقد أجمع الصحابة على جواز ذلك، وأقل درجاته أن يكون قول صحابي بل قول الخليفة الراشد ولم ينكره منكر، وهذا حجة عند جمهور العلماء.

فالصواب، إذن، هو ما فعله سيدنا عمر الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه، وبصحة هذا يتضح الفرق الآخر بين البيع والإجارة، «إذ الفرق - كما يقول شيخ الإسلام - بين البيع والضمان هو الفرق بين البيع والإجارة، ألا ترى أن النبي

صلى الله عليه وسلم

نهى عن بيع الحب حتى يشتد، ثم إذا استأجر أرضا ليزرعها جاز هذا مع أن مقصوده الحب؟ لكن مقصوده ذلك بعمله لا بعمل البائع.»

بقي ما يقوله النافون لجريان الإجارة على وفق القياس، وهو أن موجب العقد تسليم المعقود عليه بعد إتمامه، وهذا مستحيل في الإجارة بالنسبة لموضوعها الذي يحدث آنا بعد آن في الزمان.

وهنا يذكر ابن تيمية أن هذا غير صحيح إن سلمنا أن عقد الإجارة هو عقد بيع، فإن موجب العقد هو ما أوجبه الشارع أو المتعاقدان على أنفسهما،

30

وكلاهما منتف، فلا الشارع أوجب أن يكون كل مبيع مستحق التسليم عقب العقد، ولا العاقدان التزما ذلك.

بل تارة يكون العقد على هذا الوجه؛ أي يكون تسليم الثمن والمثمن عقبه، وتارة يشترطان التأخير في أحدهما، أو في محل العقد بصفة خاصة لما في ذلك من المصلحة للبائع أو المشتري، وهذا كما كان لسيدنا جابر حين باع بعيره للرسول واستثنى ظهره إلى المدينة.

وإذن، لا دلالة في الشريعة على أن من موجبات العقد التسليم عقبه كما زعموا، وليس هذا أصلا من أصولها يكون الخروج عنه خروجا عن القياس، بل التسليم والقبض في الأعيان والمنافع على السواء كالقبض في الدين، تارة يكون موجب العقد قبضه عقبه حسب الإمكان، وتارة يكون موجبه تأخير التسليم لمصلحة من المصالح المشروعة.

ناپیژندل شوی مخ